للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ دَلَّ عَلَى كَوْنِ الْمُكَاتَبِ عَبْدًا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ، مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» . وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُكَاتَبُ قَدْ أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْئًا، أَوْ لَمْ يُؤَدِّ، وَسَوَاءٌ مَلَكَ مَا يُؤَدِّي، أَوْ لَمْ يَمْلِكْ، إلَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ إذَا مَلَكَ مَا يُؤَدِّي فَقَدْ صَارَ حُرًّا. فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ، فَلَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ.

وَإِنْ أَدَّى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ مَالِ الْكِتَابَةِ، لَمْ يُقْتَلْ بِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا، وَمِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِحُرِّيَّتِهِ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْكِتَابَةِ، أَجَازَ قَتْلَهُ بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا قَتَلَ الْعَبْدُ مُكَاتَبًا، لَهُ وَفَاءٌ وَوَارِثٌ سِوَى مَوْلَاهُ، لَمْ يُقْتَلْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ الْجُرْحِ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ الْمَوْلَى، وَحِينَ الْمَوْتِ الْوَارِثَ، وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ إلَّا لِمَنْ يَثْبُتُ حَقُّهُ فِي الطَّرَفَيْنِ. وَلَنَا، قَوْله تَعَالَى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] . وقَوْله تَعَالَى: {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: ١٧٨] . وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قِنًّا، لَوَجَبَ بِقَتْلِهِ الْقِصَاصُ، فَإِذَا كَانَ مُكَاتَبًا، كَانَ أَوْلَى، كَمَا لَوْ لَمْ يَخْلُفْ وَارِثًا. وَمَا ذَكَرُوهُ شَيْءٌ بَنَوْهُ عَلَى أُصُولِهِمْ، وَلَا نُسَلِّمُهُ.

[مَسْأَلَةٌ قَتَلَ الْكَافِرُ الْعَبْدَ عَمْدًا]

(٦٦١٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَإِذَا قَتَلَ الْكَافِرُ الْعَبْدَ عَمْدًا، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَيُقْتَلُ لِنَقْضِهِ الْعَهْدَ يَعْنِي الْكَافِرَ الْحُرَّ، لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ، لِفِقْدَانِ التَّكَافُؤِ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّهُ لَا يَحُدُّ بِقَذْفِهِ، فَلَا يُقْتَلُ بِقَتْلِهِ، كَالْأَبِ مَعَ ابْنِهِ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَيُقْتَلُ لِنَقْضِهِ الْعَهْدَ؛ فَإِنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ يَنْتَقِضُ بِهِ الْعَهْدُ، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ أَنَّ ذِمِّيًّا كَانَ يَسُوقُ حِمَارًا بِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ، فَنَخَسَهُ بِهَا فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَرَادَ إكْرَاهَهَا عَلَى الزِّنَى، فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ مَا عَلَى هَذَا صَالَحْنَاهُمْ. فَقَتَلَهُ وَصَلَبَهُ. وَرُوِيَ فِي شُرُوطِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ: أَنْ أَلْحِقْ بِالشُّرُوطِ: مَنْ ضَرَبَ مُسْلِمًا عَمْدًا، فَقَدْ خَلَعَ عَهْدَهُ. وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ يُنَافِي الْأَمَانَ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ نَقْضًا لِلْعَهْدِ، كَالِاجْتِمَاعِ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَالِامْتِنَاعِ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى؛ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ. فَعَلَى هَذَا، عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَيُؤَدَّبُ بِمَا يَرَاهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ.

[فَصْل قَتَلَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ حُرًّا كَافِرًا]

(٦٦١٤) فَصْلٌ: وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ حُرًّا كَافِرًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ؛ لِأَنَّا لَا نَقْتُلُ الْمُسْلِمَ بِالْكَافِرِ. وَإِنْ قَتَلَ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ عَبْدًا، لَمْ يُقْتَلْ بِهِ؛ لِأَنَّا لَا نَقْتُلُ نِصْفَ الْحُرِّ بِعَبْدٍ. وَإِنْ قَتَلَهُ حُرٌّ، لَمْ يُقْتَلْ بِهِ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ الرَّقِيقَ لَا يُقْتَلُ بِهِ الْحُرُّ. وَإِنْ قَتَلَ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ، قُتِلَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَقَعُ بَيْن الْجُمْلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>