للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ، فَلَا تَأْكُلْهُ» . وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْن شِبْلٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَلَا تَغْلُوا فِيهِ، وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ، وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ»

رَوَى هَذِهِ الْأَحَادِيثَ كُلَّهَا الْأَثْرَمُ، فِي " سُنَنِهِ ". وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ، كَوْنَهَا قُرْبَةً إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يُصَلُّونَ خَلْفَهُ الْجُمُعَةَ أَوْ التَّرَاوِيحَ. فَأَمَّا الْأَخْذُ عَلَى الرُّقْيَةِ، فَإِنَّ أَحْمَدَ اخْتَارَ جَوَازَهُ، وَقَالَ: لَا بَأْسَ. وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ، أَنَّ الرُّقْيَةَ نَوْعُ مُدَاوَاةٍ، وَالْمَأْخُوذُ عَلَيْهَا جُعْلٌ، وَالْمُدَاوَاةُ يُبَاحُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهَا، وَالْجَعَالَةُ أَوْسَعُ مِنْ الْإِجَارَةِ، وَلِهَذَا تَجُوزُ مَعَ جَهَالَةِ الْعَمَلِ وَالْمُدَّةِ

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» . يَعْنِي بِهِ الْجُعْلَ أَيْضًا فِي الرُّقْيَةِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ خَبَرِ الرُّقْيَةِ. وَأَمَّا جَعْلُ التَّعْلِيمِ صَدَاقًا فَعَنْهُ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ التَّعْلِيمَ صَدَاقٌ، إنَّمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «زَوَّجْتُكَهَا عَلَى مَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» . فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ زَوَّجَهُ إيَّاهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ، إكْرَامًا لَهُ، كَمَا زَوَّجَ أَبَا طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ عَلَى إسْلَامِهِ، وَنُقِلَ عَنْهُ جَوَازُهُ

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالْأَجْرِ، أَنَّ الْمَهْرَ لَيْسَ بِعِوَضٍ مَحْضٍ، وَإِنَّمَا وَجَبَ نِحْلَةً وَوَصْلَةً، وَلِهَذَا جَازَ خُلُوُّ الْعَقْدِ عَنْ تَسْمِيَتِهِ، وَصَحَّ مَعَ فَسَادِهِ، بِخِلَافِ الْأَجْرِ فِي غَيْرِهِ، فَأَمَّا الرِّزْقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَيَجُوزُ عَلَى مَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا كَانَ بَذْلُهُ لِمَنْ يَتَعَدَّى نَفْعُهُ إلَى الْمُسْلِمِينَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، كَانَ مِنْ الْمَصَالِحِ، وَكَانَ لِلْآخِذِ لَهُ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَجَرَى مَجْرَى الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَقُومُ بِهَذِهِ الْمَصَالِحِ، بِخِلَافِ الْأَجْرِ.

[فَصْلٌ أُعْطِيَ الْمُعَلِّمُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ]

(٤٣٢٤) فَصْلٌ: فَإِنْ أُعْطِيَ الْمُعَلِّمُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ جَوَازُهُ. وَقَالَ، فِيمَا نَقَلَ عَنْهُ أَيُّوبُ بْنُ سَافِرِي: لَا يَطْلُبُ، وَلَا يُشَارِطُ، فَإِنْ أُعْطِيَ شَيْئًا أَخَذَهُ. وَقَالَ، فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ: أَكْرَهُ أَجْرَ الْمُعَلِّمِ إذَا شَرَطَ. وَقَالَ: إذَا كَانَ الْمُعَلِّمُ لَا يُشَارِطُ، وَلَا يَطْلُبُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا، إنْ أَتَاهُ شَيْءٌ قَبِلَهُ. كَأَنَّهُ يَرَاهُ أَهْوَنَ. وَكَرِهَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ الْقَوْسِ وَالْخَمِيصَةِ اللَّتَيْنِ أُعْطِيَهُمَا أُبَيٌّ وَعُبَادَةُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ.

وَلِأَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا، لَا بِشَرْطٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَتَاك مِنْ هَذَا الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إشْرَافِ نَفْسٍ، فَخُذْهُ، وَتَمَوَّلْهُ؛ فَإِنَّهُ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْك» . وَقَدْ أَرْخَصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُبَيٍّ فِي أَكْلِ طَعَامِ الَّذِي كَانَ يُعَلِّمُهُ، إذَا كَانَ طَعَامَهُ وَطَعَامَ أَهْلِهِ. وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ، كَانَ هِبَةً مُجَرَّدَةً، فَجَازَ، كَمَا لَوْ لَمْ يُعَلِّمْهُ شَيْئًا. فَأَمَّا حَدِيثُ الْقَوْسِ وَالْخَمِيصَةِ، فَقَضِيَّتَانِ فِي عَيْنٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ أَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ لِلَّهِ خَالِصًا، فَكَرِهَ أَخَذَ الْعِوَضِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ اللَّه تَعَالَى. وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>