للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَلَيْهِمَا ضَمَانُ جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّهُمَا فَوَّتَاهُ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُمَا مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ وَمَا قَبَضَهُ مِنْ كِتَابَتِهِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا قَبَضَهُ مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ، فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَ تَغْرِيمَهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُمَا قَبْلَ انْكِشَافِ الْحَالِ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يُغَرِّمَهُمَا مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَلِيمًا وَمُكَاتَبًا. وَإِنْ شَهِدَا بِاسْتِيلَادِ أَمَتِهِ، ثُمَّ رَجَعَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِمَا بِمَا نَقَصَتْهَا الشَّهَادَةُ مِنْ قِيمَتِهَا. وَإِنْ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ، رَجَعَ الْوَرَثَةُ بِمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهَا.

[فَصْل شَهِدَ بِشَهَادَةِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَدْ أَتْلَفَ مَالًا]

(٨٤٦١) فَصْلٌ: وَكُلُّ مَوْضِعٍ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ بِالرُّجُوعِ، وَجَبَ أَنْ يُوَزَّعَ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ، قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ: إذَا شَهِدَ بِشَهَادَةِ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَدْ أَتْلَفَ مَالًا، فَإِنَّهُ ضَامِنٌ بِقَدْرِ مَا كَانُوا فِي الشَّهَادَةِ، فَإِنْ كَانُوا اثْنَيْنِ، فَعَلَيْهِ النِّصْفُ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً، فَعَلَيْهِ الثُّلُثُ. وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانُوا عَشَرَةً، فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ، وَسَوَاءٌ رَجَعَ وَحْدَهُ، أَوْ رَجَعُوا جَمِيعًا، وَسَوَاءٌ رَجَعَ الزَّائِدُ عَنْ الْقَدْرِ الْكَافِي فِي الشَّهَادَةِ، أَوْ مَنْ لَيْسَ بِزَائِدٍ، فَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالْقِصَاصِ، فَرَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ: عَمَدْنَا قَتْلَهُ. فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ.

وَإِنْ قَالَ: أَخْطَأْنَا فَعَلَيْهِ رُبْعُ الدِّيَةِ. وَإِنْ رَجَعَ اثْنَانِ، فَعَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَإِنْ شَهِدَ سِتَّةٌ بِالزِّنَى عَلَى مُحْصَنٍ، فَرُجِمَ بِشَهَادَتِهِمْ، ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، أَوْ سُدُسُ الدِّيَةِ. وَإِنْ رَجَعَ اثْنَانِ، فَعَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ أَوْ ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ رَجَعَ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الزِّنَى قَائِمَةٌ، فَدَمُهُ غَيْرُ مَحْقُونٍ. وَإِنْ رَجَعَ ثَلَاثَةٌ، فَعَلَيْهِمْ رُبْعُ الدِّيَةِ. وَإِنْ رَجَعَ أَرْبَعَةٌ، فَعَلَيْهِمْ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَإِنْ رَجَعَ خَمْسَةٌ، فَعَلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا. وَإِنْ رَجَعَ السِّتَّةُ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سُدُسُهَا. وَمَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا رَجَعَ اثْنَانِ، كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِيمَا إذَا شَهِدَ بِالْقِصَاصِ ثَلَاثَةٌ، فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ، فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْقِصَاصِ قَائِمَةٌ، وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّاجِعِ مِنْ شُهُودِ الزِّنَى إذَا كَانَ زَائِدًا، فَإِنَّ دَمَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالزِّنَى غَيْرُ مَحْقُونٍ، وَهَذَا دَمُهُ مَحْقُونٌ.

وَإِنَّمَا أُبِيحَ دَمُهُ لِوَلِيِّ الْقِصَاصِ وَحْدَهُ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا شَهِدَ بِالْمَالِ ثَلَاثَةٌ، فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ، عَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، يَضْمَنُ الثُّلُثَ. وَالثَّانِي، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَلَنَا، أَنَّ الْإِتْلَافَ حَصَلَ بِشَهَادَتِهِمْ، فَالرَّاجِعُ مُقِرٌّ بِالْمُشَارَكَةِ فِيهِ عَمْدًا عُدْوَانًا لِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ، فَلَزِمَهُ الْقِصَاصُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِمُشَارَكَتِهِمْ فِي مُبَاشَرَةِ قَتْلِهِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مَنْ قَتَلَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِ، فَأَشْبَهَ الثَّانِيَ مِنْ شُهُودِ الْقِصَاصِ، وَالرَّابِعَ مِنْ شُهُودِ الزِّنَى، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مَنْ حَصَلَ الْإِتْلَافُ بِشَهَادَتِهِ، فَلَزِمَهُ مِنْ الضَّمَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>