فَأَمَّا إنْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى شَلَّاءَ، وَيَدَاهُ صَحِيحَتَانِ، قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْشَى تَعَدِّي ضَرَرِ الْقَطْعِ إلَى غَيْرِ الْمَقْطُوعِ، وَعَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ سَرَقَ وَيَدُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةٌ، أَوْ شَلَّاءُ لَمْ يُقْطَعْ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِذَلِكَ. وَأَنْكَرَ هَذَا ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: بِقَوْلِهِمْ هَذَا خَالَفُوا كِتَابَ اللَّهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ.
[مَسْأَلَةٌ الْحُرُّ وَالْحُرَّةُ وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ فِي الْقَطْعِ سَوَاءٌ]
(٧٢٨٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْحُرُّ وَالْحُرَّةُ، وَالْعَبْدُ، وَالْأَمَةُ، فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) . أَمَّا الْحُرُّ وَالْحُرَّةُ: فَلَا خِلَافَ فِيهِمَا. وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] . وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَائِرِ الْحُدُودِ، فَكَذَلِكَ فِي هَذَا، وَقَدْ قَطَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ، وَقَطَعَ الْمَخْزُومِيَّةَ الَّتِي سَرَقَتْ الْقَطِيفَةَ.
فَأَمَّا الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ: فَإِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلَ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُمَا يَجِبُ قَطْعُهُمَا بِالسَّرِقَةِ، إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ لَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ، فَلَمْ يَجِبْ فِي حَقِّهِمَا كَالرَّجْمِ؛ وَلِأَنَّهُ حَدٌّ فَلَا يُسَاوِي الْعَبْدُ فِيهِ الْحُرَّ كَسَائِرِ الْحُدُودِ. وَلَنَا عُمُومُ الْآيَةِ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ، أَنَّ رَقِيقًا لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ سَرَقُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ، فَانْتَحَرُوهَا، فَأَمَرَ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ أَنْ تُقْطَعَ أَيْدِيهِمْ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرَاك تُجِيعُهُمْ، وَلَكِنْ لَأُغَرِّمَنَّك غُرْمًا يَشُقُّ عَلَيْك. ثُمَّ قَالَ لِلْمُزَنِيِّ: كَمْ ثَمَنُ نَاقَتِك؟ قَالَ: أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ. قَالَ عُمَرُ: أَعْطِهِ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ.
وَرَوَى الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدًا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ عِنْدَ عَلِيٍّ، فَقَطَعَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: كَانَ عَبْدًا. يَعْنِي الَّذِي قَطَعَهُ عَلِيٌّ. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، بِإِسْنَادِهِ. وَهَذِهِ قِصَصٌ تَنْتَشِرُ وَلَمْ تُنْكَرْ، فَتَكُونُ إجْمَاعًا. وَقَوْلُهُمْ: لَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ. قُلْنَا: وَلَا يُمْكِنُ تَعْطِيلُهُ، فَيَجِبُ تَكْمِيلُهُ، وَقِيَاسُهُمْ نَقْلِبُهُ عَلَيْهِمْ، فَنَقُولُ: حَدٌّ فَلَا يَتَعَطَّلُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ، كَسَائِرِ الْحُدُودِ، وَفَارَقَ الرَّجْمَ، فَإِنَّ حَدَّ الزَّانِي لَا يَتَعَطَّلُ بِتَعْطِيلِهِ، بِخِلَافِ الْقَطْعِ، فَإِنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ يَتَعَطَّلُ بِتَعْطِيلِهِ.
[فَصْلٌ قَطْعُ الْآبِقِ بِسَرِقَتِهِ]
(٧٢٨٧) فَصْلٌ وَيُقْطَعُ الْآبِقُ بِسَرِقَتِهِ، وَغَيْرُهُ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَرْوَانُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ قَضَاءٌ عَلَى سَيِّدِهِ، وَلَا يُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ. وَلَنَا عُمُومُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَنَّهُ مُكَلَّفٌ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ، فَيُقْطَعُ، كَغَيْرِ الْآبِقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute