للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُخْتَلِفٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ إذَا عُلِمَ يَقِينًا أَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ الدُّهْنِ وَالْعَصِيرِ أَقَلُّ مِنْ الْمُنْفَرِدِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ، لَمْ يَجُزْ.

وَلَنَا، أَنَّهُ مَالُ رِبًا بِيعَ بِأَصْلِهِ الَّذِي فِيهِ مِنْهُ، فَلَمْ يَجُزْ، كَبَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ، وَقَدْ أَثْبَتْنَا ذَلِكَ بِالنَّصِّ. (٢٨٣٥) فَصْلٌ: فَأَمَّا بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمُعْتَصَرَاتِ بِجِنْسِهِ، فَيَجُوزُ مُتَمَاثِلًا. وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، وَكَيْفَ شَاءَ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ، وَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِيهِمَا بِالْكَيْلِ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ بِهِ وَيُبَاعُ بِهِ عَادَةً، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَسَوَاءٌ كَانَا مَطْبُوخَيْنِ أَوْ نِيئَيْنِ.

وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَطْبُوخِ بِجِنْسِهِ؛ لِأَنَّ النَّارَ تَعْقِدُ أَجْزَاءَهُمَا، فَيَخْتَلِفُ وَيُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ. وَلَنَا، أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْحَالِ، عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالنَّقْصِ. فَأَشْبَهَ النِّيءَ بِالنِّيءِ. فَأَمَّا بَيْعُ النِّيءِ بِالْمَطْبُوخِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَنْفَرِدُ بِالنَّقْصِ فِي ثَانِي الْحَالِ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِهِ، كَالرُّطَبِ بِالتَّمْرِ.

وَإِنْ بَاعَ عَصِيرَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِثُفْلِهِ. فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْهُ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِهِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْرَجِ بِالْكُسْبِ، وَلَا الزَّيْتِ بِثُفْلِهِ الَّذِي فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ الزَّيْتِ، إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا مَسْأَلَةُ مُدِّ عَجْوَةٍ. فَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عَصِيرِهِ، جَازَ بَيْعُهُ بِهِ مُتَفَاضِلًا، وَمُتَمَاثِلًا؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ.

[فَصْلٌ بَيْع شَيْء فِيهِ الرِّبَا بَعْضَهُ بِبَعْضٍ]

(٢٨٣٦) فَصْلٌ: وَإِنْ بَاعَ شَيْئًا فِيهِ الرِّبَا، بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَمَعَهُمَا، أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، كَمُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ، أَوْ بِمَدَّيْنِ، أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ. أَوْ بَاعَ شَيْئًا مُحَلًّى بِجِنْسِ حِلْيَتِهِ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى مَسْأَلَةَ مُدِّ عَجْوَةٍ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ، فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَذَكَرَهُ قُدَمَاءُ الْأَصْحَابِ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي السَّيْفِ الْمُحَلَّى وَالْمِنْطَقَةِ وَالْمَرَاكِبِ الْمُحَلَّاةِ بِجِنْسِ مَا عَلَيْهَا: لَا يَجُوزُ، قَوْلًا وَاحِدًا.

وَرُوِيَ هَذَا عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَشُرَيْحٍ، وَابْنِ سِيرِينَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُفْرَدُ أَكْثَرَ مِنْ الَّذِي مَعَهُ غَيْرُهُ، أَوْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَإِنَّ مُهَنَّا نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ فِي بَيْعِ الزُّبْدِ بِاللَّبَنِ، يَجُوزُ، إذَا كَانَ الزُّبْدُ الْمُنْفَرِدُ أَكْثَرَ مِنْ الزُّبْدِ الَّذِي فِي اللَّبَنِ.

وَرَوَى حَرْبٌ، قَالَ: قُلْت لِأَحْمَدَ: دَفَعْت دِينَارًا كُوفِيًّا وَدِرْهَمًا، وَأَخَذْت دِينَارًا شَامِيًّا، وَزْنُهُمَا سَوَاءٌ، لَكِنَّ الْكُوفِيَّ أَوْضَعُ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ، إلَّا أَنْ يَنْقُصَ الدِّينَارَ، فَيُعْطِيهِ بِحِسَابِهِ فِضَّةً. وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَرْبٍ الْجَرْجَرَائِيُّ. وَرَوَى الْمَيْمُونِيُّ أَنَّهُ سَأَلَهُ: لَا يَشْتَرِي السَّيْفَ وَالْمِنْطَقَةَ حَتَّى يَفْصِلَهَا؟ فَقَالَ: لَا يَشْتَرِيهَا حَتَّى يَفْصِلَهَا. إلَّا أَنَّ هَذَا أَهْوَنُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي أَحَدَ النَّوْعَيْنِ بِالْآخَرِ يَفْصِلُهُ وَفِيهِ غَيْرُ النَّوْعِ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>