(٥٥٨) فَصْلٌ: ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ، أَنَّهُ حَالَ تَرَسُّلِهِ وَدَرَجِهِ، لَا يَصِلُ الْكَلَامَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ مُعْرَبًا، بَلْ جَزْمًا. وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ، عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ. قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: شَيْئَانِ مَجْزُومَانِ كَانُوا لَا يُعْرِبُونَهُمَا؛ الْأَذَانُ، وَالْإِقَامَةُ، قَالَ: وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى جَمَاعَتِهِمْ.
[مَسْأَلَة التَّثْوِيبُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]
(٥٥٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَقُولُ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ. مَرَّتَيْنِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَقُولَ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ. مَرَّتَيْنِ، بَعْدَ قَوْلِهِ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. وَيُسَمَّى التَّثْوِيبَ. وَبِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: التَّثْوِيبُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي الْفَجْرِ، أَنْ يَقُولَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، مَرَّتَيْنِ. حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ.
مَرَّتَيْنِ. وَلَنَا، مَا رَوَى النَّسَائِيّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، قَالَ «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي سُنَّةَ الْأَذَانِ، فَذَكَرَهُ، إلَى أَنْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ: فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، قُلْت: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، مَرَّتَيْنِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» . وَمَا ذَكَرُوهُ، فَقَالَ إِسْحَاقُ: هَذَا شَيْءٌ أَحْدَثَهُ النَّاسُ.
وَقَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا التَّثْوِيبُ الَّذِي كَرِهَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ. وَهُوَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمَّا سَمِعَهُ.
[فَصْلٌ التَّثْوِيبُ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ]
(٥٦٠) فَصْلٌ: وَيُكْرَهُ التَّثْوِيبُ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ، سَوَاءٌ ثَوَّبَ فِي الْأَذَانِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ بِلَالٍ، أَنَّهُ قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُثَوِّبَ فِي الْفَجْرِ، وَنَهَانِي أَنْ أُثَوِّبَ فِي الْعِشَاءِ.» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ، فَسَمِعَ رَجُلًا يُثَوِّبُ فِي أَذَانِ الظُّهْرِ، فَخَرَجَ، فَقِيلَ لَهُ: أَيْنَ؟ فَقَالَ: أَخْرَجَتْنِي الْبِدْعَةُ. وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ وَقْتٌ يَنَامُ فِيهِ عَامَّةُ النَّاسِ، وَيَقُومُونَ إلَى الصَّلَاةِ عَنْ نَوْمٍ، فَاخْتُصَّتْ بِالتَّثْوِيبِ، لِاخْتِصَاصِهَا بِالْحَاجَةِ إلَيْهِ.
[فَصْل الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ]
(٥٦١) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ إلَّا لِعُذْرٍ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ، أَنْ لَا يَخْرُجَ أَحَدٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ. قَالَ أَبُو الشَّعْثَاءِ: كُنَّا قُعُودًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْمَسْجِدِ يَمْشِي، فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute