للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْنَى الْقِرَانِ: الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا، أَوْ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ يُدْخِلُ عَلَيْهَا الْحَجَّ. وَهُوَ أَحَدُ الْأَنْسَاكِ الْمَشْرُوعَةِ، الثَّابِتَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؟ قَالُوا: أَمَّا هَذَا فَلَا. قَالَ: إنَّهَا مَعَهُنَّ - يَعْنِي مَعَ الْمَنْهِيَّاتِ - وَلَكِنَّكُمْ نَسِيتُمْ. وَهَذَا مِمَّا لَمْ يُوَافِقْ الصَّحَابَةُ مُعَاوِيَةَ عَلَيْهِ، مَعَ مَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْإِجْمَاعِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَهَبَ إلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، حِينَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فِي حَجَّتِهِ بِالْإِحْلَالِ، وَقَالَ: «لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت، لَمَا سُقْت الْهَدْيَ. وَكَانَ قَارِنًا، فَحَمَلَهُ مُعَاوِيَةُ عَلَى النَّهْيِ» . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْل يُسْتَحَبّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُعِين مَا أُحَرِّم بِهِ]

(٢٢٩٧) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَيِّنَ مَا أَحْرَمَ بِهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: الْإِطْلَاقُ أَوْلَى؛ لِمَا رَوَى طَاوُسٌ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَدِينَةِ، لَا يُسَمِّي حَجًّا، يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهَلَّ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً. وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَحْوَطُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْإِحْصَارَ، أَوْ تَعَذَّرَ فِعْلُ الْحَجِّ عَلَيْهِ، فَيَجْعَلُهَا عُمْرَةً، وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْإِحْرَامِ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ، فَقَالَ: «مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ، فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلْيُهِلَّ» .

وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ إنَّمَا أَحْرَمُوا بِمُعَيَّنٍ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي حَجَّتِهِ، يَطَّلِعُونَ عَلَى أَحْوَالِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَفْعَالِهِ، وَيَقِفُونَ عَلَى ظَاهِرِ أَمْرِهِ وَبَاطِنِهِ، أَعْلَمُ بِهِ مِنْ طَاوُسٍ، وَحَدِيثُهُ مُرْسَلٌ، وَالشَّافِعِيُّ لَا يَحْتَجُّ بِالْمَرَاسِيلِ الْمُفْرَدَةِ، فَكَيْفَ يَصِيرُ إلَى هَذَا، مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلرِّوَايَاتِ الْمُسْتَفِيضَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَالِاحْتِيَاطُ مُمْكِنٌ، بِأَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَإِنْ شَاءَ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا، فَكَانَ قَارِنًا.

[فَصْل أَطْلَقَ الْإِحْرَام فَنَوَى الْإِحْرَام بِنُسُكِ وَلَمْ يُعِين حَجًّا وَلَا عَمْرَة]

(٢٢٩٨) فَصْلٌ: فَإِنْ أَطْلَقَ الْإِحْرَامَ، فَنَوَى الْإِحْرَامَ بِنُسُكٍ، وَلَمْ يُعَيِّنْ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً، صَحَّ، وَصَارَ مُحْرِمًا؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَصِحُّ مَعَ الْإِبْهَامِ، فَصَحَّ مَعَ الْإِطْلَاقِ. فَإِذَا أَحْرَمَ مُطْلَقًا، فَلَهُ صَرْفُهُ إلَى أَيِّ الْأَنْسَاكِ شَاءَ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْإِحْرَامَ بِمَا شَاءَ مِنْهَا، فَكَانَ لَهُ صَرْفُ الْمُطْلَقِ إلَى ذَلِكَ، وَالْأَوْلَى صَرْفُهُ إلَى الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَالْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ مَكْرُوهٌ أَوْ مُمْتَنِعٌ، وَإِنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالْعُمْرَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>