للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَأْتِيَ عَلَى آخِرِهَا فَإِنْ بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ، وَزَالَ الْوَقْتُ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ، عَرَفَ الطَّرَفَ الَّذِي يَلِيهِ حِينَ يَجْلِسُ، فَيَتَنَاوَلُ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي الرِّقَاعَ، كَفِعْلِهِ بِالْأَمْسِ.

وَالِاعْتِبَارُ بِسَبْقِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَمَتَى قَدَّمَ رَجُلًا لِسَبْقِهِ فَحَكَمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ، فَقَالَ: لِي دَعْوَى أُخْرَى. لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَدَّمَهُ بِسَبْقِهِ فِي خُصُومَةٍ، فَلَا يُقَدِّمُهُ بِأُخْرَى، وَيَقُولُ لَهُ: اجْلِسْ حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ الْحَاضِرِينَ، نَظَرْت فِي دَعْوَاك الْأُخْرَى إنْ أَمْكَنَ. فَإِذَا فَرَغَ الْكُلُّ، فَقَالَ الْأَخِيرُ بَعْدَ فَصْلِ خُصُومَتِهِ: لِي دَعْوَى أُخْرَى. لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، حَتَّى يَسْمَعَ دَعْوَى الْأَوَّلِ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ يَسْمَعُ دَعْوَاهُ.

وَإِنْ ادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، عَلَى الْمُدَّعِي، حَكَمَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّنَا إنَّمَا نَعْتَبِرُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فِي الدَّعْوَى، لَا فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَإِذَا تَقَدَّمَ الثَّانِي، فَادَّعَى عَلَى الْمُدَّعِي الْأَوَّلِ، أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْأَوَّلِ، حَكَمَ بَيْنَهُمَا.

وَإِنْ حَضَرَ اثْنَانِ، أَوْ جَمَاعَةٌ دَفْعَةً وَاحِدَةً، أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَقَدَّمَ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ؛ لِتَسَاوِي حُقُوقِهِمْ، وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ، كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ فِي رِقَاعٍ، وَتَرَكَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمَدَّ يَدَهُ فَأَخَذَ رُقْعَةً رُقْعَةً، وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى، وَيُقَدِّمُ صَاحِبَهَا حَسَبَ مَا يَتَّفِقُ. (٨٢٧٤) فَصْلٌ: فَإِنْ حَضَرَ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ، وَكَانَ الْمُسَافِرُونَ قَلِيلًا، بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ تَقْدِيمُهُمْ عَلَى الْمُقِيمِينَ، قَدَّمَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى جَنَاحِ السَّفَرِ، يَشْتَغِلُونَ بِمَا يَصْلُحُ لِلرَّحِيلِ، وَقَدْ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ الصَّوْمَ وَشَطَرَ الصَّلَاةَ تَحْقِيقًا عَنْهُمْ، وَفِي تَأْخِيرِهِمْ ضَرَرٌ بِهِمْ، فَإِنْ شَاءَ أَفْرَدَ لَهُمْ يَوْمًا يَفْرُغُ مِنْ حَوَائِجِهِمْ فِيهِ، وَإِنْ شَاءَ قَدَّمَهُمْ مِنْ غَيْرِ إفْرَادِ يَوْمٍ لَهُمْ.

فَإِنْ كَانُوا كَثِيرًا، بِحَيْثُ يَضُرُّ تَقْدِيمُهُمْ، فَهُمْ وَالْمُقِيمُونَ سَوَاءٌ، لِأَنَّ تَقْدِيمَهُمْ مَعَ الْقِلَّةِ، إنَّمَا كَانَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْمُخْتَصِّ بِهِمْ فَإِذَا آلَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُمْ إلَى الضَّرَرِ بِغَيْرِهِمْ، تَسَاوَوْا. وَلَا خِلَافَ فِي أَكْثَرِ هَذِهِ الْآدَابِ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْقَضَاءِ، فَلَوْ قَدَّمَ الْمَسْبُوقَ، أَوْ قَدَّمَ الْحَاضِرِينَ، أَوْ نَحْوَهُ، كَانَ قَضَاؤُهُ صَحِيحًا.

[فَصْلٌ تَقَدَّمَ إلَى الْحَاكِم خَصْمَانِ]

(٨٢٧٥) فَصْلٌ: وَإِذَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ خَصْمَانِ، فَإِنْ شَاءَ قَالَ: مَنْ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا؟ لِأَنَّهُمَا حَضَرَا لِذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ، وَيَقُولُ الْقَائِمُ عَلَى رَأْسِهِ: مَنْ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا؟ إنْ سَكَتَا جَمِيعًا. وَلَا يَقُولُ الْحَاكِمُ وَلَا صَاحِبُهُ لِأَحَدِهِمَا: تَكَلَّمْ. لِأَنَّ فِي إفْرَادِهِ بِذَلِكَ تَفْضِيلًا لَهُ، وَتَرْكًا لِلْإِنْصَافِ.

قَالَ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ: شَهِدْت شُرَيْحًا إذَا جَلَسَ إلَيْهِ الْخَصْمَانِ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ يَقُولُ: أَيُّكُمَا الْمُدَّعِي فَلْيَتَكَلَّمْ؟ وَإِنْ ذَهَبَ الْآخَرُ يَشْغَبُ، غَمَزَهُ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُدَّعِي، ثُمَّ يَقُولُ: تَكَلَّمْ. فَإِنْ بَدَأَ أَحَدُهُمَا، فَادَّعَى، فَقَالَ خَصْمُهُ: أَنَا الْمُدَّعِي. لَمْ يَلْتَفِتْ الْحَاكِمُ إلَيْهِ، وَقَالَ: أَجِبْ عَنْ دَعْوَاهُ، ثُمَّ ادَّعِ بَعْدُ مَا شِئْت.

فَإِنْ ادَّعَيَا مَعًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>