فَإِنْ عُدِمَتْ الْحَاجَةُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لِمَالِهِ فِي غَيْرِ فَائِدَةٍ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنْ أَمْكَنَهُ اسْتِئْذَانُ وَلِيِّهِ، لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، كَالْعَبْدِ، وَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ النِّكَاحَ، فَأَبَى أَنْ يُزَوِّجَهُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ. وَلَنَا، أَنَّهُ إذَا احْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ، فَحَقُّهُ مُتَعَيِّنٌ فِيهِ، فَصَحَّ اسْتِيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ، كَمَا لَوْ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ الْحَالَّ عِنْدَ امْتِنَاعِ وَلِيِّهِ مِنْ اسْتِيفَائِهِ، فَأَمَّا إنْ تَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، لَمْ يَصِحَّ، فَإِنْ وَطِئَ الزَّوْجَةَ، فَعَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بُضْعَهَا بِشُبْهَةٍ، فَلَزِمَهُ عِوَضُ مَا أَتْلَفَ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَهَا.
[فَصْلٌ لَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ تَطْلِيقُ امْرَأَةِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ]
(٥٢٢٤) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ تَطْلِيقُ امْرَأَةِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّزْوِيجَ، كَوَصِيِّ الْأَبِ وَالْحَاكِمِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ، أَوْ لَا يَمْلِكُهُ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. فَأَمَّا الْأَبُ إذَا زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَوْ الْمَجْنُونَ، فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ، فِي رَجُلَيْنِ زَوَّجَ أَحَدُهُمَا ابْنَهُ بِابْنَةِ الْآخَرِ، وَهُمَا صَغِيرَانِ، ثُمَّ إنَّ الْأَبَوَيْنِ كَرِهَا، هَلْ لَهُمَا أَنْ يَفْسَخَا؟ فَقَالَ: قَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ. وَكَأَنَّهُ رَآهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا هَذِهِ الرِّوَايَةُ، فَتُخَرَّجُ عَلَى قَوْلَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، يَمْلِكُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ يَسْتَفِيدُ بِهَا تَمْلِيكَ الْبُضْعِ، فَجَازَ أَنْ يَمْلِكَ بِهَا إزَالَتَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا، كَالْحَاكِمِ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ بِالْإِعْسَارِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» . وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْبُضْعَ، فَلَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ بِنَفْسِهِ، كَوَصِيِّ الْأَبِ وَالْحَاكِمِ، وَكَالسَّيِّدِ يُزَوِّجُ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ، وَبِهَذِهِ الْأُصُولِ يَبْطُلُ دَلِيلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ.
[فَصْلٌ ادَّعَتْ امْرَأَةُ الْمَجْنُونِ عُنَّتَهُ]
(٥٢٢٥) فَصْلٌ: وَإِذَا ادَّعَتْ امْرَأَةُ الْمَجْنُونِ عُنَّتَهُ، لَمْ تُضْرَبْ لَهُ مُدَّةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ، وَلَا حُكْمَ لِإِقْرَارِهِ. وَإِنْ أَقَرَّ بِالْعُنَّةِ وَهُوَ صَحِيحٌ، فَضُرِبَتْ لَهُ الْمُدَّةُ ثُمَّ جُنَّ، وَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَطَالَبَتْ الْمَرْأَةُ بِالْفَسْخِ، لَمْ يُفْسَخْ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَادَّعَى مَنْعَهَا إيَّاهُ نَفْسَهَا، أَوْ أَنَّهُ وَطِئَهَا فَعَادَتْ عُذْرَتُهَا، فَلَهُ اسْتِحْلَافُهَا. فَإِذَا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ، لَمْ يَسْتَحْلِفْ، وَلَا يَثْبُتُ مَا قَالَتْهُ، فَلَمْ يُفْسَخْ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute