للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٨١٢٦) فَصْلٌ: وَالْفُرْقَةُ فِي هَذَا كُلِّهِ، مَا عَدَّهُ النَّاسُ فِرَاقًا فِي الْعَادَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفُرْقَةَ فِي الْبَيْعِ، وَمَا نَوَاهُ بِيَمِينِهِ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ، فَهُوَ عَلَى مَا نَوَاهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَة: حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ لَا تَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِهِ]

(٨١٢٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ لَا تَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِهِ، فَذَلِكَ عَلَى كُلِّ مَرَّةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى مَرَّةً) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ. أَوْ قَالَ: إنْ خَرَجْت إلَّا أَنْ آذَنَ لَك، أَوْ حَتَّى آذَنَ لَك، أَوْ إلَى أَنْ آذَنَ لَك. فَالْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْخَمْسَةِ، أَنَّهَا مَتَى خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، طَلُقَتْ، وَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّ حَرْفَ " أَنْ " لَا يَقْتَضِي تَكْرَارًا، فَإِذَا حَنِثَ مَرَّةً، انْحَلَّتْ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت. وَإِنْ خَرَجَتْ بِإِذْنِهِ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا وُجِدَ. وَلَيْسَ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ. وَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ، فَمَتَى خَرَجَتْ بَعْدَ هَذَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، طَلُقَتْ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَنْحَلُّ، فَلَا يَحْنَثُ بِخُرُوجِهَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَعَلَّقَتْ بِخُرُوجِ وَاحِدٍ، بِحَرْفٍ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، فَإِذَا وُجِدَ بِغَيْرِ إذْنٍ، حَنِثَ، وَإِنْ وُجِدَ بِإِذْنٍ، بَرَّ؛ لِأَنَّ الْبَرَّ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحِنْثُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، فِي قَوْلِهِ: إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِي. كَقَوْلِنَا؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ بِإِذْنِهِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ مُسْتَثْنًى مِنْ يَمِينِهِ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهَا، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ بِرٌّ وَلَا حِنْثٌ. وَإِنْ قَالَ: إنْ خَرَجْت إلَّا أَنْ آذَنَ لَك، أَوْ حَتَّى آذَنَ لَك، أَوْ إلَى أَنْ آذَنَ لَك. مَتَى أَذِنَ لَهَا، انْحَلَّتْ يَمِينُهُ، وَلَمْ يَحْنَثْ بَعْدَ ذَلِكَ بِخُرُوجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْإِذْنَ فِيهَا غَايَةً لِيَمِينِهِ، وَجَعَلَ الطَّلَاقَ مُعَلَّقًا عَلَى الْخُرُوجِ قَبْلَ إذْنِهِ، فَمَتَى أَذِنَ انْتَهَتْ غَايَةُ يَمِينِهِ، وَزَالَ حُكْمُهَا، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ خَرَجْت إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، أَوْ إلَّا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، أَوْ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَخَرَجَتْ بَعْدَ طُلُوعِهَا، وَلِأَنَّ حَرْفَ " إلَى " " وَحَتَّى " لِلْغَايَةِ، لَا لِلِاسْتِثْنَاءِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى شَرْطٍ، وَقَدْ وُجِدَ، فَيَقَعُ الطَّلَاقُ، كَمَا لَوْ لَمْ تَخْرُجْ بِإِذْنِهِ. وَقَوْلُهُمْ: قَدْ بَرَّ. غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِوَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ الْمَأْذُونَ فِيهِ مُسْتَثْنًى مِنْ يَمِينِهِ، غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهَا، فَكَيْفَ يَبَرُّ؟ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ كَلَّمْت رَجُلًا إلَّا أَخَاكِ، أَوْ غَيْرَ أَخِيك، فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَكَلَّمَتْ أَخَاهَا، ثُمَّ كَلَّمَتْ رَجُلًا آخَرَ، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ، وَلَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ بِتَكْلِيمِهَا أَخَاهَا؟ وَالثَّانِي، أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ خُرُوجٌ مَوْصُوفٌ بِصِفَةٍ، فَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِوُجُودِ مَا لَمْ تُوجَدْ فِيهِ الصِّفَةُ، وَلَا يَحْنَثُ بِهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَا عَدَاهُ بِرٌّ وَلَا حِنْثٌ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ خَرَجْت عُرْيَانَةً، فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ إنْ خَرَجْت رَاكِبَةً، فَأَنْتِ طَالِقٌ.

فَخَرَجَتْ مُسْتَتِرَةً مَاشِيَةً، لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ بِرٌّ وَلَا حِنْثٌ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ كَلَّمْت رَجُلًا فَاسِقًا، أَوْ مِنْ غَيْرِ مَحَارِمِك، فَأَنْتِ طَالِقٌ. لَمْ يَتَعَلَّقْ بِتَكْلِيمِهَا لِغَيْرِ مَنْ هُوَ مَوْصُوفٌ بِتِلْكَ الصِّفَةِ بِرٌّ وَلَا حِنْثٌ، فَكَذَلِكَ فِي الْأَفْعَالِ.

وَقَوْلُهُمْ:

<<  <  ج: ص:  >  >>