كَتُرَابِهَا وَأَحْجَارِهَا، وَلَكِنْ لَا يُبَاعُ مَعْدِنُ الذَّهَبِ بِذَهَبٍ، وَلَا مَعْدِنُ الْفِضَّةِ بِفِضَّةٍ، وَيَجُوزُ بَيْعُهَا بِغَيْرِ جِنْسِهَا. وَإِنْ ظَهَرَ فِي الْأَرْضِ مَعْدِنٌ لَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ بِهِ، فَلَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشْرَةٌ، فَبَانَ أَحَدَ عَشَرَ. هَذَا إذَا كَانَ قَدْ مَلَكَ الْأَرْضَ بِإِحْيَاءٍ أَوْ إقْطَاعٍ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ وَلَدَ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ بَاعُوا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَرْضًا، فَظَهَرَ فِيهَا مَعْدِنٌ، فَقَالُوا: إنَّمَا بِعْنَا الْأَرْضَ، وَلَمْ نَبْعِ الْمَعْدِنَ. وَأَتَوْا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِالْكِتَابِ الَّذِي فِيهِ قَطِيعَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِيهِمْ، فَأَخَذَهُ عُمَرُ فَقَبَّلَهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ الْمَعْدِنَ. وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مَلَكَ الْأَرْضَ بِالْبَيْعِ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ خِيَارٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَالِكُ الْأَوَّلُ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا ثُمَّ بَاعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الرَّدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَاعَهُ مِثْلَمَا اشْتَرَاهُ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ الْمَعْدِنُ فِي مِلْكِهِ مَلَكَهُ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ لِلْبَائِعِ، وَلَا جَعَلَ لَهُ خِيَارًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ظَهَرَ فِيهَا حِجَارَةٌ لَهَا قِيمَةٌ كَبِيرَةٌ.
[فَصْلٌ إذَا كَانَ فِي الْأَرْض بِئْر أَوْ عَيْن مُسْتَنْبَطَة فَنَفْس الْبِئْر وَأَرْض الْعَيْن مَمْلُوكَة لِمَالِكِ الْأَرْضِ]
فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ بِئْرٌ أَوْ عَيْنٌ مُسْتَنْبَطَةٌ، فَنَفْسُ الْبِئْرِ وَأَرْضُ الْعَيْنِ مَمْلُوكَةٌ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، وَالْمَاءُ الَّذِي فِيهَا غَيْرُ مَمْلُوكٍ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ إلَى مِلْكِهِ، فَأَشْبَهَ الْمَاءَ الْجَارِيَ فِي النَّهْرِ إلَى مِلْكِهِ، وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ، يَدْخُلُ فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ الْمِلْكِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُمْلَكُ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ لَهُ أَرْضٌ وَلِآخَرَ مَاءٌ، فَيَشْتَرِكُ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَصَاحِبُ الْمَاءِ فِي الزَّرْعِ، وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ مَمْلُوكٌ لِصَاحِبِهِ، وَفِي مَعْنَى الْمَاءِ، الْمَعَادِنُ الْجَارِيَةُ فِي الْأَمْلَاكِ، كَالْقَارِ، وَالنِّفْطِ، وَالْمُومْيَاءِ، وَالْمِلْحِ.
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي النَّابِتِ فِي أَرْضِهِ مِنْ الْكَلَأِ وَالشَّوْكِ، فَفِي كُلِّ ذَلِكَ يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَاءِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي بَيْعُ الْمَاءِ أَلْبَتَّةَ. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ قَوْمٍ بَيْنَهُمْ نَهْرٌ تَشْرَبُ مِنْهُ أَرْضُوهُمْ، لِهَذَا يَوْمٌ، وَلِهَذَا يَوْمَانِ، يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ بِالْحِصَصِ، فَجَاءَ يَوْمِي وَلَا أَحْتَاجُ إلَيْهِ، أَكْرِيهِ بِدَرَاهِمَ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي، أَمَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَنَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ.» قِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ يَبِيعُهُ، إنَّمَا يُكْرِيهِ. قَالَ: إنَّمَا احْتَالُوا بِهَذَا لِيُحَسِّنُوهُ، فَأَيُّ شَيْءٍ هَذَا إلَّا الْبَيْعَ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ، وَإِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يُبَاعَ الْمَاءُ» . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ وَالنَّارِ وَالْكَلَأِ» . رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، فِي كِتَابِ " الْأَمْوَالِ "، فَإِذَا قُلْنَا: لَا يُمْلَكُ. فَصَاحِبُ الْأَرْضِ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِكَوْنِهِ فِي مِلْكِهِ، فَإِنْ دَخَلَ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَأَخَذَهُ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فِي الْأَصْلِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَشَّشَ فِي أَرْضِهِ طَائِرٌ، أَوْ دَخَلَ فِيهَا ظَبْيٌ، أَوْ نَضَبَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute