فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا تَغَيُّرًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا فَهُوَ نَجِسٌ؛ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّغَيُّرُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِنْ النَّجَاسَةِ الْوَاقِعَةِ فِيهِ، لِكَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهَا، أَوْ لِمُخَالَفَتِهِ لَوْنَهَا أَوْ طَعْمَهَا، فَهُوَ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ لِلنَّجَاسَةِ سَبَبًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَقَعْ فِيهِ شَيْءٌ.
[فَصْلٌ تَوَضَّأَ مِنْ مَاءٍ كَثِيرٍ ثُمَّ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا بِنَجَاسَةٍ]
(٤٠) فَصْلٌ: وَإِنْ تَوَضَّأَ مِنْ الْمَاءِ الْقَلِيلِ، وَصَلَّى، ثُمَّ وَجَدَ فِيهِ نَجَاسَةً، أَوْ تَوَضَّأَ مِنْ مَاءٍ كَثِيرٍ، ثُمَّ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا بِنَجَاسَةٍ، وَشَكَّ هَلْ كَانَ قَبْلَ وُضُوئِهِ، أَوْ بَعْدَهُ؟ فَالْأَصْلُ صِحَّةُ طَهَارَتِهِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ وُضُوئِهِ بِأَمَارَةٍ أَعَادَ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ النَّجَاسَةَ قَبْلَ وُضُوئِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَكَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، أَوْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَنَقَصَ بِالِاسْتِعْمَالِ أَعَادَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ نَقْصُ الْمَاءِ.
[فَصْلٌ إذَا نُزِحَ مَاءُ الْبِئْرِ النَّجِسِ فَنَبَعَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَاءٌ أَوْ صُبَّ فِيهِ]
(٤١) فَصْلٌ: إذَا نُزِحَ مَاءُ الْبِئْرِ النَّجِسِ، فَنَبَعَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَاءٌ، أَوْ صُبَّ فِيهِ فَهُوَ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ أَرْضَ الْبِئْرِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْضِ الَّتِي تَطْهُرُ بِالْمُكَاثَرَةِ بِمُرُورِ الْمَاءِ عَلَيْهَا، وَإِنْ نَجِسَتْ جَوَانِبُ الْبِئْرِ، فَهَلْ يَجِبُ غَسْلُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ نَجَسٍ، فَأَشْبَهَ رَأْسَ الْبِئْرِ. وَالثَّانِيَةُ لَا يَجِبُ؛ لِلْمَشَقَّةِ اللَّاحِقَةِ بِذَلِكَ، فَعُفِيَ عَنْهُ، كَمَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ، وَأَسْفَلِ الْحِذَاءِ.
فَصْلٌ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قُبُورِ الْحِجَارَةِ الَّتِي لِلرُّومِ يَجِيءُ الْمَطَرُ فَيَصِيرُ فِيهَا، وَيَشْرَبُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَيَتَوَضَّئُونَ؟ قَالَ: لَوْ غُسِلَتْ كَيْفَ تُغْسَلُ وَالْمَاءُ يَجِيءُ الْمَطَرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ غَسَلَهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ. وَالْأَوْلَى الْحُكْمُ بِطَهَارَتِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ قَدْ أَصَابَهَا الْمَاءُ مَرَّاتٍ لَا يُحْصَى عَدَدُهَا، وَجَرَى عَلَى حِيطَانِهَا مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ مَا يُطَهِّرُهَا بَعْضُهُ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ يَشُقُّ غَسْلُهَا، فَأَشْبَهَتْ الْأَرْضَ الَّتِي تَطْهُرُ بِمَجِيءِ الْمَطَرِ عَلَيْهَا.
(٤٣) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَإِذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ الْيَسِيرِ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ مِثْلُ الذُّبَابِ وَالْعَقْرَبِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلَا يُنَجِّسُهُ) النَّفْسُ هَاهُنَا: الدَّمُ يَعْنِي: مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الدَّمَ نَفْسًا، قَالَ الشَّاعِرُ:
أُنْبِئْت أَنَّ بَنِي سُحَيْمٍ أَدْخَلُوا ... أَبْيَاتَهُمْ تَامُورَ نَفْسِ الْمُنْذِرِ
يَعْنِي: دَمَهُ.
وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمَرْأَةِ: نُفَسَاءُ؛ لِسَيَلَانِ دَمِهَا عِنْدَ الْوِلَادَةِ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ: نَفِسَتْ الْمَرْأَةُ. إذَا حَاضَتْ، وَنَفِسَتْ مِنْ النِّفَاسِ. وَكُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ: كَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ مِنْ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ، أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute