فَصْلٌ: وَلَمْ أَجِدْ عَنْ إمَامِنَا، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا عَنْ أَصْحَابِنَا، تَحْدِيدَ مَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ، بِأَكْثَرَ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِمَصَانِعِ مَكَّةَ. قَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرَّاكِدِ مِنْ آبَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى قِلَّةِ مَا فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمَصَانِعَ لَمْ تَكُنْ، إنَّمَا أُحْدِثَتْ. وَقَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ الْمَصَانِعِ الَّتِي بِطَرِيقِ مَكَّةَ؟ فَقَالَ: لَيْسَ يُنَجِّسُ تِلْكَ عِنْدِي بَوْلٌ وَلَا شَيْءٌ إذَا كَثُرَ الْمَاءُ، حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ تِلْكَ الْمَصَانِعِ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ بِئْرٍ بَالَ فِيهَا إنْسَانٌ " قَالَ تُنْزَحُ حَتَّى تَغْلِبَهُمْ. قُلْت: مَا حَدُّهُ؟ قَالَ: لَا يَقْدِرُونَ عَلَى نَزْحِهَا. وَقِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الْغَدِيرُ يُبَالُ فِيهِ؟ قَالَ: الْغَدِيرُ أَسْهَلُ. وَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا، وَقَالَ فِي الْبِئْرِ، يَكُونُ لَهَا مَادَّةٌ: هُوَ وَاقِفٌ لَا يَجْرِي لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ مَا يَجْرِي.
يَعْنِي أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِالْبَوْلِ فِيهِ إذَا أَمْكَنَ نَزْحُهُ.
(٣٨) فَصْلٌ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَوْلِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ بِئْرٍ غَزِيرَةٍ وَقَعَتْ فِيهَا خِرْقَةٌ أَصَابَهَا بَوْلٌ؟ قَالَ: تُنْزَحُ. وَقَالَ فِي قَطْرَةِ بَوْلٍ وَقَعَتْ فِي مَاءٍ: لَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ سَائِرَ النَّجَاسَاتِ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا.
(٣٩) فَصْلٌ: إذَا كَانَتْ بِئْرُ الْمَاءِ مُلَاصِقَةً لَبِئْرٍ فِيهَا بَوْلٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ، وَشُكَّ فِي وُصُولِهَا إلَى الْمَاءِ، فَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ فِي الطَّهَارَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: يَكُونُ بَيْنَ الْبِئْرِ وَالْبَالُوعَةِ مَا لَمْ يُغَيِّرْ طَعْمًا وَلَا رِيحًا - وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ - فَلَا بَأْسَ أَنْ يُتَوَضَّأَ مِنْهَا
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ أَحَبَّ عِلْمَ حَقِيقَةِ ذَلِكَ فَلْيَطْرَحْ فِي الْبِئْرِ النَّجِسَةِ نَفْطًا، فَإِنْ وَجَدَ رَائِحَتَهُ فِي الْمَاءِ عَلِمَ وُصُولَهُ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ تَغَيُّرًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَلَمْ يَعْلَمْ لَهُ سَبَبًا آخَرَ، فَهُوَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ الْمُلَاصَقَةَ سَبَبٌ، فَيُحَالُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، وَمَا عَدَاهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَلَوْ وَجَدَ مَاءً مُتَغَيِّرًا فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ، وَلَمْ يَعْلَمْ سَبَبَ تَغَيُّرِهِ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ نَجَاسَتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ.
وَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute