للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِيَةُ، يَجِبْ فِيهِ الْجَزَاءُ.

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنِّي أُحَرِّمُ الْمَدِينَةَ، مِثْلَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ» . وَنَهَى أَنْ يُعْضَدَ شَجَرُهَا، وَيُؤْخَذَ طَيْرُهَا، فَوَجَبَ فِي هَذَا الْحَرَمِ الْجَزَاءُ، كَمَا وَجَبَ فِي ذَلِكَ، إذْ لَمْ يَظْهَرْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَجَزَاؤُهُ إبَاحَةُ سَلَبَ الْقَاتِلِ لِمَنْ أَخَذَهُ؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ سَعْدًا رَكِبَ إلَى قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ، فَوَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا، أَوْ يَخْبِطُهُ، فَسَلَبَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ جَاءَ أَهْلُ الْعَبْدِ، فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى غُلَامِهِمْ، أَوْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا نَفَّلَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ. وَعَنْ سَعْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَخَذَ أَحَدًا يَصِيدُ فِيهِ، فَلْيَسْلُبْهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَعَلَى هَذَا يُبَاحُ لِمَنْ وَجَدَ آخِذَ الصَّيْدِ أَوْ قَاتِلَهُ، أَوْ قَاطِعَ الشَّجَرِ سَلَبُهُ، وَهُوَ أَخْذُ ثِيَابِهِ حَتَّى سَرَاوِيلِهِ. فَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ لَمْ يَمْلِكْ أَخْذَهَا؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ لَيْسَتْ مِنْ السَّلَبِ، وَإِنَّمَا أَخَذَهَا قَاتِلُ الْكَافِرِ فِي الْجِهَادِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى الْحَرْبِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. وَإِنْ لَمْ يَسْلُبْهُ أَحَدٌ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، سِوَى الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ.

[فَصْل يُفَارِقُ حَرَمُ الْمَدِينَة حَرَمَ مَكَّةَ فِي شَيْئَيْنِ]

(٢٤٢٢) فَصْل: وَيُفَارِقُ حَرَمُ الْمَدِينَةِ حَرَمَ مَكَّةَ فِي شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ شَجَرِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ، لِلْمَسَانِدِ وَالْوَسَائِدِ وَالرَّحْلِ، وَمِنْ حَشِيشِهَا مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِلْعَلْفِ؛ لِمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَرَّمَ الْمَدِينَةَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا أَصْحَابُ عَمَلٍ، وَأَصْحَابُ نَضْحٍ، وَإِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَرْضًا غَيْرَ أَرْضِنَا، فَرَخِّصْ لَنَا، فَقَالَ: الْقَائِمَتَانِ، وَالْوِسَادَةُ، وَالْعَارِضَةُ، وَالْمِسْنَدُ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا يُعْضَدُ، وَلَا يُخْبَطُ مِنْهَا شَيْءٌ» . قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ خَارِجَةُ: الْمِسْنَدُ مِرْوَدُ الْبَكَرَةِ. فَاسْتَثْنَى ذَلِكَ، وَجَعَلَهُ مُبَاحًا، كَاسْتِثْنَاءِ الْإِذْخِرَ بِمَكَّةَ

وَعَنْ عَلِيٍّ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمَدِينَةُ حَرَامٌ، مَا بَيْنَ عَائِرٍ إلَى ثَوْرٍ، لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُقْطَعَ مِنْهَا شَجَرَةٌ، إلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ» وَعَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُخْبَطُ وَلَا يُعْضَدُ حِمَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ يُهَشُّ هَشًّا رَفِيقًا» . رَوَاهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>