وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ كَلَامٌ يَحْتَمِلُ رِوَايَةً ثَالِثَةً، وَهُوَ أَنَّ سَيِّدَتَهَا تُزَوِّجُهَا، فَإِنَّهُ قِيلَ لَهُ: تُزَوِّجُ أَمَتَهَا؟ قَالَ: قَدْ قِيلَ ذَلِكَ، هِيَ مَالُهَا. وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ ذَهَبَ إلَيْهِ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا مَالِكَةٌ لَهَا، وَوِلَايَتُهَا تَامَّةٌ عَلَيْهَا، فَمَلَكَتْ تَزْوِيجَهَا، كَالسَّيِّدِ، وَلِأَنَّهَا تَمْلِكُ بَيْعَهَا وَإِجَارَتَهَا، فَمَلَكَتْ تَزْوِيجَهَا، كَسَيِّدِهَا، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ عَلَى الْمَرْأَةِ لِتَحْصِيلِ الْكِفَايَةِ، وَصِيَانَةً لِحَظِّ الْأَوْلِيَاءِ فِي تَحْصِيلِهَا، فَلَا تَثْبُتُ عَلَيْهَا الْوِلَايَةُ فِي أَمَتِهَا؛ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْكِفَايَةِ، وَعَدَمِ الْحَقِّ لِلْأَوْلِيَاءِ فِيهَا. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ هَذَا حِكَايَةً لِمَذْهَبِ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ فِي سِيَاقِهَا: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَأْمُرَ مَنْ يُزَوِّجُهَا؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ لَا يَعْقِدْنَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ» .
وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: زَوِّجُوا، فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا يُزَوِّجْنَ، وَاعْقِدُوا، فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا يَعْقِدْنَ. وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا، فَغَيْرَهَا أَوْلَى.
[مَسْأَلَةٌ يُزَوِّجُ مَوْلَاتَهَا مَنْ يُزَوِّجُ أَمَتَهَا]
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَيُزَوِّجُ مَوْلَاتَهَا مَنْ يُزَوِّجُ أَمَتَهَا يَعْنِي عَتِيقَتَهَا. وَهَذِهِ فِيهَا رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، أَنَّ لِمَوْلَاتِهَا التَّوْكِيلَ فِي تَزْوِيجِهَا رَجُلًا؛ لِأَنَّهَا عَصَبَتُهَا، وَتَرِثُهَا بِالتَّعْصِيبِ، فَأَشْبَهْت الْمُعْتِقَ. وَالثَّانِيَةُ، وَلِيُّ سَيِّدَتِهَا وَلِيُّهَا. وَهِيَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ لِنِكَاحِ حُرَّةٍ، وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ إلَى عَصَبَاتِهَا، لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ عَنْهَا، وَيَرِثُونَهَا بِالتَّعْصِيبِ عِنْدَ عَدَمِ سَيِّدَتِهَا، فَكَانُوا أَوْلِيَاءَهَا، كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ عَلَى الْمُعْتِقِ تَزْوِيجُ مُعْتَقَتِهِ لِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا انْقَرَضَ الْعَصَبَةُ مِنْ النَّسَبِ، وَلِي الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ ثُمَّ عَصَبَاتُهُ مِنْ بَعْدِهِ، الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، كَذَا هَاهُنَا، إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ هَاهُنَا تَقْدِيمُ أَبِي الْمُعْتَقَةِ عَلَى ابْنِهَا، لِأَنَّهُ الَّذِي يُزَوِّجُهَا.
وَذَكَرْنَا ثَمَّ خِلَافَ هَذَا. وَيُعْتَبَرُ فِي وِلَايَتِهِ شَرْطَانِ؛ أَحَدُهُمَا، عَدَمُ الْعَصَبَةِ مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ أَقْرَبُ مِنْ الْمُعْتِقِ، وَأَوْلَى مِنْهُ. الثَّانِي، إذْنُ الْمُزَوِّجَةِ؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ، وَلَيْسَتْ لَهُ وِلَايَةُ إجْبَارٍ، فَإِنَّهُ أَبْعَدُ الْعَصَبَاتِ، وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ مَوْلَاتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا وِلَايَةَ لَهَا وَلَا مِلْكَ، فَأَشْبَهَتْ قَرِيبَ الطِّفْلِ إذَا زَوَّجَ الْبَعِيدَ.
[فَصْلٌ إنْ كَانَ لِلْأَمَةِ مَوْلَى فَهُوَ وَلِيُّهَا فِي نِكَاحهَا وَإِنْ كَانَ لَهَا مَوْلَيَانِ فَالْوِلَايَةُ لَهُمَا]
(٥١٧٥) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ لِلْأَمَةِ مَوْلًى، فَهُوَ وَلِيُّهَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا مَوْلَيَانِ، فَالْوِلَايَةُ لَهُمَا، وَلَيْسَ لَوَاحِدٍ مِنْهُمَا الِاسْتِقْلَالُ بِالْوِلَايَةِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا نِصْفَهَا. وَإِنْ اشْتَجَرَا لَمْ يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ، بِخِلَافِ الْحُرَّةِ، فَإِنَّ نِكَاحَهَا حَقٌّ لَهَا، وَنَفْعَهُ عَائِدٌ إلَيْهَا، وَنِكَاحُ الْأَمَةِ حَقٌّ لِسَيِّدِهَا، وَنَفْعُهُ عَائِدٌ إلَيْهِ، فَلَمْ يَثْبُتْ لِلسُّلْطَانِ عَنْهُ فِيهِ. فَإِنْ أَعْتَقَاهَا وَلَهَا عَصَبَةٌ مُنَاسِبٌ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَصَبَةٌ، فَهُمَا وَلِيَّاهَا، وَلَا يَسْتَقِلُّ أَحَدُهُمَا بِالتَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى نِصْفِهَا
فَإِنْ اشْتَجَرَا أَمَامَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute