الْجَلْدَ يُمْكِنُ تَخْفِيفُهُ، فَيَأْتِي بِهِ فِي الْمَرَضِ عَلَى وَجْهٍ يُؤْمَنُ مَعَهُ التَّلَفُ، وَالْقَطْعُ لَا يُمْكِنُ تَخْفِيفُهُ.
[فَصْلٌ سَرَقَ مَرَّاتٍ قَبْلَ الْقَطْعِ]
(٧٢٨٠) فَصْلٌ: وَإِذَا سَرَقَ مَرَّاتٍ قَبْلَ الْقَطْعِ، أَجْزَأَ قَطْعٌ وَاحِدٌ عَنْ جَمِيعِهَا، وَتَدَاخَلَتْ حُدُودُهَا؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ أَسْبَابُهُ تَدَاخَلَ، كَحَدِّ الزِّنَا. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَا إذَا سَرَقَ مِنْ جَمَاعَةٍ، وَجَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ، رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهَا لَا تَتَدَاخَلُ. وَلَعَلَّهُ يَقِيسُ ذَلِكَ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَتَدَاخَلُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَتَتَدَاخَلُ، كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ، وَفَارَقَ حَدَّ الْقَذْفِ، فَإِنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، وَلِهَذَا يُتَوَقَّفُ عَلَى الْمُطَالَبَةِ بِاسْتِيفَائِهِ، وَيَسْقُطُ بِالْعَفْوِ عَنْهُ. فَأَمَّا إنْ سَرَقَ فَقُطِعَ، ثُمَّ سَرَقَ ثَانِيًا، قُطِعَ ثَانِيًا، سَوَاءٌ سَرَقَ مِنْ الَّذِي سَرَقَ مِنْهُ أَوَّلًا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ سَرَقَ تِلْكَ الْعَيْنَ الَّتِي قُطِعَ بِهَا أَوْ غَيْرَهَا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا قُطِعَ بِسَرِقَةِ عَيْنٍ مَرَّةً، لَمْ يُقْطَعْ بِسَرِقَتِهَا مَرَّةً ثَانِيَةً، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ قُطِعَ بِسَرِقَةِ غَزْلٍ، ثُمَّ سَرَقَهُ مَنْسُوجًا، أَوْ قُطِعَ بِسَرِقَةِ رُطَبٍ، ثُمَّ سَرَقَهُ تَمْرًا. وَاحْتُجَّ بِأَنَّ هَذَا يَتَعَلَّقُ اسْتِيفَاؤُهُ بِمُطَالَبَةِ آدَمِيٍّ، فَإِذَا تَكَرَّرَ سَبَبُهُ فِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ، لَمْ يَتَكَرَّرْ، كَحَدِّ الْقَذْفِ. وَلَنَا أَنَّهُ حَدٌّ يَجِبُ بِفِعْلٍ فِي عَيْنٍ، فَتَكَرُّرُهُ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ كَتَكَرُّرِهِ فِي الْأَعْيَانِ، كَالزِّنَا، وَمَا ذَكَرَهُ يَبْطُلُ بِالْغَزْلِ إذَا نُسِجَ، وَالرُّطَبِ إذَا أَتْمَرَ، وَلَا نُسَلِّمُ حَدَّ الْقَذْفِ، فَإِنَّهُ مَتَى قَذَفَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الزِّنَا حُدَّ، وَإِنْ قَذَفَهُ بِذَلِكَ الزِّنَا عَقِيبَ حَدِّهِ، لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ إظْهَارُ كَذِبِهِ وَقَدْ ظَهَرَ، وَهَا هُنَا الْغَرَضُ رَدْعُهُ عَنْ السَّرِقَةِ، وَلَمْ يَرْتَدِعْ بِالْأَوَّلِ، فَيُرْدَعُ بِالثَّانِي: كَالْمُودَعِ إذَا سَرَقَ عَيْنًا أُخْرَى.
[فَصْلٌ سَرَقَ وَلَا يُمْنَى لَهُ]
فَصْلٌ: وَمَنْ سَرَقَ وَلَا يُمْنَى لَهُ، قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، كَمَا يُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ يُمْنَاهُ شَلَّاءَ، فَفِيهَا رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا: تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى؛ لِأَنَّ الشَّلَّاءَ لَا نَفْعَ فِيهَا وَلَا جَمَالَ، فَأَشْبَهَتْ كَفًّا لَا أَصَابِعَ عَلَيْهِ. قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، فِيمَنْ سَرَقَ وَيُمْنَاهُ جَافَّةٌ: تُقْطَعُ رِجْلُهُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يُسْأَلُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ قَالُوا: إنَّهَا إذَا قُطِعَتْ رَقَأَ دَمُهَا، وَانْحَسَمَتْ عُرُوقُهَا. قُطِعَتْ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ قَطْعُ يَمِينِهِ فَوَجَبَ، كَمَا لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً. وَإِنْ قَالُوا: لَا يَرْقَأُ دَمُهَا. لَمْ تُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ تَلَفُهُ، وَقُطِعَتْ رِجْلُهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَإِنْ كَانَتْ أَصَابِعُ الْيُمْنَى كُلُّهَا ذَاهِبَةً فَفِيهَا وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: لَا تُقْطَعُ وَتُقْطَعُ الرِّجْلُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ لَا تَجِبُ فِيهِ دِيَةُ الْيَدِ، فَأَشْبَهَ الذِّرَاعَ. وَالثَّانِي: تُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الرَّاحَةَ بَعْضُ مَا يُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ، فَإِذَا كَانَ مَوْجُودًا قُطِعَ، كَمَا لَوْ ذَهَبَ الْخِنْصَرُ أَوْ الْبِنْصِرُ. وَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُ الْأَصَابِعِ، نَظَرْنَا؛ فَإِنْ ذَهَبَ الْخِنْصَرُ وَالْبِنْصِرُ، أَوْ ذَهَبَتْ وَاحِدَةٌ سِوَاهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute