شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَلَهَا الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ بِشُبْهَةِ، وَهِيَ زَوْجَتُهُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا عَلَيْهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ عَلِمَتْ صِحَّةَ مَا أَقَرَّتْ بِهِ، لَمْ يَحِلَّ لَهَا مُسَاكَنَتُهُ وَتَمْكِينُهُ مِنْ وَطْئِهَا، وَعَلَيْهَا أَنْ تَفِرَّ مِنْهُ، وَتَفْتَدِيَ نَفْسَهَا بِمَا أَمْكَنَهَا؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ لَهَا زِنًى، فَعَلَيْهَا التَّخَلُّصُ مِنْهُ مَهْمَا أَمْكَنَهَا، كَمَا قُلْنَا فِي الَّتِي عَلِمَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَجَحَدَهَا ذَلِكَ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ بَعْدَ الدُّخُولِ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَقَلَّ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي وُجُوبِ زَائِدٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ مَهْرَ الْمِثْلِ، لَمْ تَسْتَحِقَّ أَكْثَرَ مِنْهُ؛ لِاعْتِرَافِهَا بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا لَهُ بِوَطْئِهَا لَا بِالْعَقْدِ، فَلَا تَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ إقْرَارُهَا بِأُخُوَّتِهِ قَبْلَ النِّكَاحِ لَمْ يَجُزْ لَهَا نِكَاحُهُ، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهَا عَنْ إقْرَارِهَا، فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهَا لَمْ يُصَادِفْ زَوْجِيَّةً عَلَيْهَا يُبْطِلُهَا، فَقُبِلَ إقْرَارُهَا عَلَى نَفْسِهَا بِتَحْرِيمِهِ عَلَيْهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّ هَذِهِ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ، أَوْ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِرِضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ تَزَوُّجُهَا فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ، فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَنْبَنِي عَلَى عِلْمِهِ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. (٦٤٥٣)
فَصْلٌ: وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخُو صَاحِبِهِ مِنْ الرَّضَاعِ، فَأَنْكَرَ، لَمْ يُقْبَلْ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَالْإِقْرَارُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، فَلَمْ يَحْتَجْ فِيهِ إلَى شَهَادَةِ النِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ، فَلَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الرَّضَاعِ نَفْسه.
[فَصْلٌ الِارْتِضَاعُ بِلَبَنِ الْفُجُورِ وَالْمُشْرِكَاتِ]
(٦٤٥٤) فَصْلٌ: كَرِهَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الِارْتِضَاعَ بِلَبَنِ الْفُجُورِ وَالْمُشْرِكَاتِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: اللَّبَنُ يُشْتَبَهُ، فَلَا تَسْتَقِ مِنْ يَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ وَلَا زَانِيَةٍ. وَلَا يَقْبَلُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُسْلِمَةَ، وَلَا يَرَى شُعُورَهُنَّ وَلِأَنَّ لَبَنَ الْفَاجِرَةِ رُبَّمَا أَفْضَى إلَى شَبَهِ الْمُرْضِعَةِ فِي الْفُجُورِ، وَيَجْعَلُهَا أُمًّا لِوَلَدِهِ، فَيَعْتَبِرُ بِهَا، وَيَتَضَرَّرُ طَبْعًا وَتَعَيُّرًا، وَالِارْتِضَاعُ مِنْ الْمُشْرِكَةِ يَجْعَلُهَا أُمًّا، لَهَا حُرْمَةُ الْأُمِّ مَعَ شِرْكِهَا، وَرُبَّمَا مَالَ إلَيْهَا فِي مَحَبَّةِ دِينهَا. وَيُكْرَهُ الِارْتِضَاعُ بِلَبَنِ الْحَمْقَاءِ، كَيْلًا يُشْبِهَهَا الْوَلَدُ فِي الْحُمْقِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: إنَّ الرَّضَاعَ يُغَيِّرُ الطِّبَاعَ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute