وَأَمَّا وَجْهُ الْأَوَّلِ، فَلِأَنَّ مَنْ نَذَرَ الطَّوَافَ عَلَى أَرْبَعٍ، فَقَدْ نَذَرَ الطَّوَافَ عَلَى يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، فَأُقِيمَ الطَّوَافُ الثَّانِي مَقَامَ طَوَافِهِ عَلَى يَدَيْهِ.
[فَصْلٌ نَذَرَ صَوْمِ الدَّهْرِ]
(٨٢١٣) فَصْلٌ: فَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ، لَزِمَهُ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي نَذْرِهِ رَمَضَانُ، وَلَا أَيَّامُ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ. فَإِنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَمْ يَقْضِهِ؛ لِأَنَّ الزَّمَنَ مُسْتَغْرَقٌ بِالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ، وَلَكِنْ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ لِتَرْكِهِ. وَإِنْ لَزِمَهُ قَضَاءٌ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ كَفَّارَةٌ، قَدَّمَهُ عَلَى النَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، فَقُدِّمَ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ، كَتَقْدِيمِ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَنْذُورَةِ. فَإِذَا لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ لِتَرْكِهِ صَوْمَ يَوْمٍ، أَوْ أَكْثَرَ، وَكَانَتْ كَفَّارَتُهُ الصِّيَامَ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَجِبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ إلَّا بِتَرْكِ الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ، وَتَرْكُهُ يُوجِبُ كَفَّارَةً، فَيَقْضِي ذَلِكَ إلَى التَّسَلْسُلِ، وَتَرْكِ الْمَنْذُورِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ الْكَفَّارَةُ، وَلَا تَجِبُ بِفِعْلِهَا كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَ النَّذْرِ لِعُذْرٍ لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً، فَلَا يَقْضِي إلَى التَّسَلْسُلِ.
[فَصْلٌ وَصِيغَةُ النَّذْرِ]
(٨٢١٤) فَصْلٌ: وَصِيغَةُ النَّذْرِ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا. وَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرُ كَذَا. لَزِمَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِلَفْظِ النَّذْرِ. وَإِنْ قَالَ: إنْ شَفَانِي اللَّهُ، فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ. كَانَ نَذْرًا. وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ، فِي الرَّجُلِ يَقُولُ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْكَعْبَةِ لِلَّهِ. قَالَ: هَذَا نَذْرٌ، فَلْيَمْشِ. وَنَحْوُهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَيَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، وَمَالِكٍ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَرُوِيَ عَنْهُمَا مِثْلُ قَوْلِهِمْ، وَرُوِيَ عَنْهُمَا فِيمَنْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ: فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، إلَّا أَنْ يَقُولَ: عَلَيَّ نَذْرُ مَشْيٍ إلَى بَيْتِ اللَّهِ. وَلَنَا، أَنَّ لَفْظَةَ: " عَلَيَّ " لِلْإِيجَابِ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِذَا قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ. فَقَدْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: هُوَ عَلَيَّ نَذْرٌ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute