للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُكَاتَبٍ، وَكَبِيرٍ وَصَغِيرٍ، وَعَاقِلٍ وَمَجْنُونٍ، إلَّا أَنَّ الْوَاجِدَ لَهُ إذَا كَانَ عَبْدًا فَهُوَ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ مَالٍ، فَأَشْبَهَ الِاحْتِشَاشَ وَالِاصْطِيَادَ، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا مَلَكَهُ، وَعَلَيْهِ خُمْسُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِهِ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَهُوَ لَهُمَا، وَيُخْرِجُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ عَلَى الذِّمِّيِّ فِي الرِّكَازِ يَجِدُهُ الْخُمْسَ. قَالَهُ مَالِكٌ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَغَيْرُهُمْ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ الْخُمْسُ إلَّا عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ زَكَاةٌ. وَحُكِيَ عَنْهُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ أَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ الرِّكَازَ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: إذَا كَانَ الْوَاجِدُ لَهُ عَبْدًا، يُرْضَخُ لَهُ مِنْهُ، وَلَا يُعْطَاهُ كُلَّهُ. وَلَنَا، عُمُومُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» . فَإِنَّهُ يَدُلُّ بِعُمُومِهِ عَلَى وُجُوبِ الْخُمْسِ فِي كُلِّ رِكَازٍ يُوجَدُ، وَبِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ بَاقِيَهُ لِوَاجِدِهِ مَنْ كَانَ، وَلِأَنَّهُ مَالُ كَافِرٍ مَظْهُورٌ عَلَيْهِ، فَكَانَ فِيهِ الْخُمْسُ عَلَى مَنْ وَجَدَهُ وَبَاقِيه لِوَاجِدِهِ، كَالْغَنِيمَةِ، وَلِأَنَّهُ اكْتِسَابُ مَالٍ، فَكَانَ لِمُكْتَسِبِهِ إنْ كَانَ حُرًّا، أَوْ لِسَيِّدِهِ إنْ كَانَ عَبْدًا، كَالِاحْتِشَاشِ، وَالِاصْطِيَادِ. وَيَتَخَرَّجُ لَنَا أَنْ لَا يَجِبَ الْخُمْسُ إلَّا عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ زَكَاةٌ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. (١٩٠٥)

فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى الْإِنْسَانُ تَفْرِقَةَ الْخُمْسِ بِنَفْسِهِ. وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، لِأَنَّ عَلِيًّا أَمَرَ وَاجِدَ الْكَنْزِ بِتَفْرِقَتِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ. قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَلِأَنَّهُ أَدَّى الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَبَرِئَ مِنْهُ، كَمَا لَوْ فَرَّقَ الزَّكَاةَ، أَوْ أَدَّى الدَّيْنَ إلَى رَبِّهِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ فَيْءٌ، فَلَمْ يَمْلِكْ تَفْرِقَتَهُ بِنَفْسِهِ، كَخُمْسِ الْغَنِيمَةِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ.

قَالَ: وَإِنْ فَعَلَ ضَمَّنَهُ الْإِمَامُ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ رَدُّ خَمْسِ الرِّكَازِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ مَالٍ، فَلَمْ يَجُزْ رَدُّهُ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ، كَالزَّكَاةِ، وَخُمْسِ الْغَنِيمَةِ.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى وَاجِدِهِ، وَلِأَنَّهُ فَيْءٌ، فَجَازَ رَدُّهُ أَوْ رَدُّ بَعْضِهِ عَلَى وَاجِدِهِ، كَخَرَاجِ الْأَرْضِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.

[مَسْأَلَةُ الْكَلَامِ فِي الْمَعْدِنِ يَشْتَمِلُ عَلَى فُصُولٍ أَرْبَعَةٍ]

[الْفَصْل الْأَوَّل فِي صِفَةِ الْمَعْدِنِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ]

(١٩٠٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا أَخْرَجَ مِنْ الْمَعَادِنِ مِنْ الذَّهَبِ عِشْرِينَ مِثْقَالًا، أَوْ مِنْ الْوَرِقِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، أَوْ قِيمَةَ ذَلِكَ مِنْ الزِّئْبَقِ وَالرَّصَاصِ وَالصُّفْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُسْتَخْرَجُ مِنْ الْأَرْضِ، فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ مِنْ وَقْتِهِ) اشْتِقَاقُ الْمَعْدِنِ مِنْ عَدَنَ فِي الْمَكَانِ، يَعْدِنُ: إذَا أَقَامَ بِهِ. وَمِنْهُ سُمِّيَتْ جَنَّةَ عَدْنٍ، لِأَنَّهَا دَارُ إقَامَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>