للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَسْتَصْبِحُ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمَسُّهُ، وَلَا تَتَعَدَّى نَجَاسَتُهُ إلَيْهِ؛ إمَّا أَنْ يَجْعَلَ الزَّيْتَ فِي إبْرِيقٍ لَهُ بُلْبُلَةٌ، وَيَصُبَّ مِنْهُ فِي الْمِصْبَاحِ، وَلَا يَمَسَّهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَعَ عَلَى رَأْسِ الْجَرَّةِ الَّتِي فِيهَا الزَّيْتُ سِرَاجًا مَثْقُوبًا، أَوْ قِنْدِيلًا فِيهِ ثَقْبٌ، وَيُطَيِّنَهُ عَلَى رَأْسِ إنَاءِ الزَّيْتِ، أَوْ يُشَمِّعَهُ، وَكُلَّمَا نَقَصَ زَيْتُ السِّرَاجِ صَبَّ فِيهِ مَاءً، بِحَيْثُ يَرْتَفِعُ الزَّيْتُ، فَيَمْلَأُ السِّرَاجَ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا، وَلَمْ يَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَنْ تُدْهَنَ بِهَا الْجُلُودُ، وَقَالَ: يُجْعَلُ مِنْهُ الْأَسْقِيَةُ وَالْقِرَبُ.

وَنُقِلَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ تُدْهَنُ بِهِ الْجُلُودُ. وَعَجِبَ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا، وَقَالَ: إنَّ فِي هَذَا لَعَجَبًا، شَيْءٌ يُلْبَسُ يُطَيَّبُ بِشَيْءٍ فِيهِ مَيْتَةٌ، فَعَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ، كُلُّ انْتِفَاعٍ يُفْضِي إلَى تَنْجِيسِ إنْسَانٍ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُفْضِ إلَى ذَلِكَ جَازَ. فَأَمَّا أَكْلُهُ: فَلَا إشْكَالَ فِي تَحْرِيمِهِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَقْرَبُوهُ» .

وَلِأَنَّ النَّجِسَ خَبِيثٌ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ الْخَبَائِثَ. وَأَمَّا بَيْعُهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَحْرِيمُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا حَرَّمَ اللَّهُ شَيْئًا، حَرَّمَ ثَمَنَهُ» . وَقَالَ أَبُو مُوسَى: لُتُّوهُ بِالسَّوِيقِ وَبِيعُوهُ، وَلَا تَبِيعُوهُ مِنْ مُسْلِمٍ، وَبَيِّنُوهُ.

وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً، أَنَّهُ يُبَاعُ لِكَافِرٍ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ بِنَجَاسَتِهِ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ، وَيَسْتَبِيحُونَ أَكْلَهُ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ، فَجَمَّلُوهَا، وَبَاعُوهَا، وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا، إنَّ اللَّهَ إذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَكَوْنُهُمْ يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ، لَا يُجَوِّزُ لَنَا بَيْعَهُ لَهُمْ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ.

[فَصْلٌ حُكْمُ شُحُومِ الْمَيْتَةِ وَشَحْمِ الْخِنْزِيرِ]

(٧٨٣٤) فَصْلٌ: فَأَمَّا شُحُومُ الْمَيْتَةِ، وَشَحْمُ الْخِنْزِيرِ، فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِاسْتِصْبَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَا أَنْ تُطْلَى بِهِ السُّفُنُ وَلَا الْجُلُودُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْأَصْنَامَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، شُحُومُ الْمَيْتَةِ تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ النَّاسُ؟ قَالَ: لَا، هِيَ حَرَامٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (٧٨٣٥) .

فَصْلٌ: إذَا اُسْتُصْبِحَ بِالزَّيْتِ النَّجِسِ، فَدُخَانُهُ نَجَسٌ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ يَسْتَحِيلُ مِنْهُ، وَالِاسْتِحَالَةُ لَا تُطَهِّرُ. فَإِنْ عَلِقَ، بِشَيْءٍ، وَكَانَ يَسِيرًا، عُفِيَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ دَمَ الْبَرَاغِيثِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا، لَمْ يُعْفَ عَنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>