للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَمَنَهَا فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ، وَوَجَدَهَا بِهِ، لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا الْإِعْتَاقُ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمُبْدَلِ إذَا مُنِعَ الِانْتِقَالُ إلَى الْبَدَلِ، كَانَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى ثَمَنِهِ تَمْنَعُ الِانْتِقَالَ، كَالْمَاءِ وَثَمَنِهِ، يَمْنَعُ الِانْتِقَالَ إلَى التَّيَمُّمِ.

(٦١٩٧) الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ. هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ، أَنَّهُ يُجْزِئُ فِيمَا عَدَا كَفَّارَةَ الْقَتْلِ مِنْ الظِّهَارِ وَغَيْرِهِ، عِتْقُ رَقَبَةٍ ذِمِّيَّةٍ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ الرَّقَبَةَ فِي هَذِهِ الْكَفَّارَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَ مَا تَنَاوَلَهُ الْإِطْلَاقُ.

وَلَنَا، مَا رَوَى «مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ، قَالَ: كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: عَلَيَّ رَقَبَةٌ أَفَأَعْتِقُهَا؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيْنَ اللَّهُ؟ قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ. قَالَ: مَنْ أَنَا؟ . قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَعْتِقْهَا؛ فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ. فَعَلَّلَ جَوَازَ إعْتَاقِهَا عَنْ الرَّقَبَةِ الَّتِي عَلَيْهِ بِأَنَّهَا مُؤْمِنَةٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الرَّقَبَةِ الَّتِي عَلَيْهِ إلَّا مُؤْمِنَةٌ، وَلِأَنَّهُ تَكْفِيرٌ بِعِتْقٍ، فَلَمْ يَجُزْ إلَّا مُؤْمِنَةً، كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ. وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ إذَا وُجِدَ الْمَعْنَى فِيهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ، فَإِنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا رَقَبَةٌ سَلِيمَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا، فَالتَّقْيِيدُ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْكُفْرِ أَوْلَى.

[مَسْأَلَةُ مَا يَشْتَرِط فِي كَفَّارَة الظِّهَارِ]

(٦١٩٨) الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا رَقَبَةٌ سَالِمَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَمْلِيكُ الْعَبْدِ مَنَافِعَهُ، وَيُمْكِنُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَحْصُلُ هَذَا مَعَ مَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا، فَلَا يُجْزِئُ الْأَعْمَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْعَمَلُ فِي أَكْثَرِ الصَّنَائِعِ، وَلَا الْمُقْعَدُ، وَلَا الْمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْيَدَيْنِ آلَةُ الْبَطْشِ، فَلَا يُمْكِنْهُ الْعَمَلُ مَعَ فَقْدِهِمَا، وَالرِّجْلَانِ آلَةُ الْمَشْيِ، فَلَا يَتَهَيَّأُ لَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعَمَلِ مَعَ تَلَفِهِمَا. وَالشَّلَلُ كَالْقَطْعِ فِي هَذَا. وَلَا يُجْزِئُ الْمَجْنُونَ جُنُونًا مُطْبِقًا، لِأَنَّهُ وُجِدَ فِيهِ الْمَعْنَيَانِ، ذَهَابُ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، وَحُصُولُ الضَّرَرِ بِالْعَمَلِ. وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي.

وَحُكِيَ عَنْ دَاوُد، أَنَّهُ جَوَّزَ عِتْقَ كُلِّ رَقَبَةٍ يَقَعُ عَلَيْهَا الِاسْمُ، أَخْذًا بِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ. وَلَنَا أَنَّ هَذَا نَوْعُ كَفَّارَةٍ، فَلَمْ يُجْزِئْ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَالْإِطْعَامِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَنْ يُطْعِمَ مُسَوَّسًا وَلَا عَفِنًا، وَإِنْ كَانَ يُسَمَّى طَعَامًا. وَالْآيَةُ مُقَيَّدَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>