(٦١٩٩) فَصْلٌ: وَلَا يُجْزِئُ مَقْطُوعُ الْيَدِ، أَوْ الرِّجْلِ، وَلَا أَشَلُّهَا، وَلَا مَقْطُوعُ إبْهَامِ الْيَدِ، أَوْ سَبَّابَتِهَا، أَوْ الْوُسْطَى؛ لِأَنَّ نَفْعَ الْيَدِ يَذْهَبُ بِذَهَابِ هَؤُلَاءِ، وَلَا يُجْزِئُ مَقْطُوعُ الْخِنْصَرِ وَالْبِنْصِرِ مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ نَفْعَ الْيَدَيْنِ يَزُولُ أَكْثَرُهُ بِذَلِكَ. وَإِنْ قُطِعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ يَدٍ جَازَ؛ لِأَنَّ نَفْعَ الْكَفَّيْنِ بَاقٍ، وَقَطْعُ أُنْمُلَةِ الْإِبْهَامِ كَقَطْعِ جَمِيعِهَا؛ فَإِنَّ نَفْعَهَا يَذْهَبُ بِذَلِكَ؛ لِكَوْنِهَا أُنْمُلَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْإِبْهَامِ لَمْ يَمْنَعْ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا لَا تَذْهَبُ؛ فَإِنَّهَا تَصِيرُ كَالْأَصَابِعِ الْقِصَارِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ أَصَابِعُهُ كُلُّهَا غَيْرَ الْإِبْهَامِ قَدْ قُطِعَتْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا أُنْمُلَةٌ، لَمْ يَمْنَعْ. وَإِنْ قُطِعَ مِنْ الْإِصْبَعِ أُنْمُلَتَانِ، فَهُوَ كَقَطْعِهَا؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِمَنْفَعَتِهَا.
وَهَذَا جَمِيعُهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُجْزِئُ مَقْطُوعُ إحْدَى الْيَدَيْنِ أَوْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ، وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ جَمِيعًا مِنْ خِلَافٍ أَجْزَأَتْ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْجِنْسِ بَاقِيَةٌ، فَأَجْزَأَتْ فِي الْكَفَّارَةِ، كَالْأَعْوَرِ، فَأَمَّا إنْ قُطِعَتَا مِنْ وِفَاقٍ، أَيْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، لَمْ يُجْزِئْ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الشَّيْءِ تَذْهَبُ. وَلَنَا أَنَّ هَذَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَمَلِ، وَيَضُرُّ ضَرَرًا بَيِّنًا، فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ إجْزَاءَهَا، كَمَا لَوْ قُطِعَتَا مِنْ وِفَاقٍ وَيُخَالِفُ الْعَوَرَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ ضَرَرًا بَيِّنًا. وَالِاعْتِبَارُ بِالضَّرَرِ أَوْلَى مِنْ الِاعْتِبَارِ بِمَنْفَعَةِ الْجِنْسِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ ذَهَبَ شَمُّهُ، أَوْ قُطِعَتْ أُذُنَاهُ مَعًا، أَجْزَأَ مَعَ ذَهَابِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، وَلَا يُجْزِئُ الْأَعْرَجُ إذَا كَانَ عَرَجًا كَثِيرًا فَاحِشًا؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْعَمَلِ، فَهُوَ كَقَطْعِ الرِّجْلِ. وَإِنْ كَانَ عَرَجًا يَسِيرًا، لَمْ يَمْنَعْ الْإِجْزَاءَ؛ لِأَنَّهُ قَلِيلُ الضَّرَرِ.
(٦٢٠٠) فَصْلٌ: وَيُجْزِئُ الْأَعْوَرُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ، لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ يَمْنَعُ التَّضْحِيَةَ وَالْإِجْزَاءَ فِي الْهَدْيِ، فَأَشْبَهَ الْعَمَى. وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ، وَتَمْلِيكُ الْعَبْدِ الْمَنَافِعَ، وَالْعَوَرُ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ، فَأَشْبَهَ قَطْعَ إحْدَى الْأُذُنَيْنِ. وَيُفَارِقُ الْعَمَى؛ فَإِنَّهُ يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا، وَيَمْنَعُ كَثِيرًا مِنْ الصَّنَائِعِ، وَيَذْهَبُ بِمَنْفَعَةِ الْجِنْسِ. وَيُفَارِقُ قَطْعَ إحْدَى الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِإِحْدَاهُمَا مَا يَعْمَلُ بِهِمَا، وَالْأَعْوَرُ يُدْرِكُ بِإِحْدَى الْعَيْنَيْنِ مَا يُدْرِكُ بِهِمَا. وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ وَالْهَدْيُ، فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْهُمَا مُجَرَّدُ الْعَوَرِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ انْخِسَافُ الْعَيْنِ، وَذَهَابُ الْعُضْوِ الْمُسْتَطَابِ، وَلِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ يُمْنَعُ فِيهَا قَطْعُ الْأُذُنِ وَالْقَرْنِ، وَالْعِتْقُ لَا يُمْنَعُ فِيهِ إلَّا مَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ.
وَيُجْزِئُ الْمَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ. وَبِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَزُفَرُ: لَا يُجْزِئُ. لِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ فِيهِمَا الدِّيَةُ، أَشْبَهَا الْيَدَيْنِ. وَلَنَا، أَنَّ قَطْعَهُمَا لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ الضَّرَرَ الْبَيِّنَ، فَلَمْ يَمْنَعْ، كَنَقْصِ السَّمْعِ، بِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدَيْنِ. وَيُجْزِئُ مَقْطُوعُ الْأَنْفِ كَذَلِكَ. وَيُجْزِئُ الْأَصَمُّ إذَا فَهِمَ بِالْإِشَارَةِ. وَيُجْزِئُ الْأَخْرَسُ إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ وَفَهِمَ بِالْإِشَارَةِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْجِنْسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute