يَقْرَأُ آيَاتٍ وَلَا يَجِبُ قِرَاءَةُ آيَاتٍ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ آيَاتٍ كَذَلِكَ، وَلِمَا رَوَتْ أُمُّ هِشَامٍ بِنْتُ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، قَالَتْ: «مَا أَخَذْتُ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ إلَّا مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ بِهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ» . وَعَنْ أُخْتٍ لِعَمْرَةَ كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْهَا مِثْلُ هَذَا، رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ
، وَفِي حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ سُورَةً.
[فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ جَلْسَةً خَفِيفَةً]
(١٣٠١) فَصْلٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ جَلْسَةً خَفِيفَةً؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَمَا رَوَيْنَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيَ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْلِسُهَا وَلَنَا، أَنَّهَا جَلْسَةٌ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ، فَلَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً كَالْأُولَى، وَقَدْ سَرَدَ الْخُطْبَةَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ. قَالَهُ أَحْمَدُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى فَرَغَ. وَجُلُوسُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لِلِاسْتِرَاحَةِ، فَلَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً، كَالْأُولَى، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ، فَإِنْ خَطَبَ جَالِسًا لِعُذْرٍ فَصَلَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ بِسَكْتَةٍ، وَكَذَلِكَ إنْ خَطَبَ قَائِمًا فَلَمْ يَجْلِسْ. قَالَ: ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالْعِرَاقِيُّونَ، وَسَائِرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إلَّا الشَّافِعِيَّ، أَنَّ الْجُلُوسَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ.
[فَصْلٌ السُّنَّةُ أَنْ يَخْطُبَ مُتَطَهِّرًا]
(١٣٠٢) فَصْلٌ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَخْطُبَ مُتَطَهِّرًا. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَعَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِطِهَا، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، كَالرِّوَايَتَيْنِ. وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ، فِي مَنْ خَطَبَ وَهُوَ جُنُبٌ، ثُمَّ اغْتَسَلَ وَصَلَّى بِهِمْ: يُجْزِئُهُ. وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا خَطَبَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، أَوْ خَطَبَ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرَ عَالِمٍ بِحَالِ نَفْسِهِ، ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْأَشْبَهُ بِأُصُولِ الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ مِنْ الْجَنَابَةِ؛ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: يُشْتَرَطُ قِرَاءَةُ آيَةٍ فَصَاعِدًا. وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْجُنُبِ، وَلِأَنَّ الْخِرَقِيِّ اشْتَرَطَ لِلْأَذَانِ الطَّهَارَةَ مِنْ الْجَنَابَةِ، فَالْخُطْبَةُ أَوْلَى.
فَأَمَّا الطَّهَارَةُ الصُّغْرَى فَلَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ يَتَقَدَّمُ الصَّلَاةَ، فَلَمْ تَكُنْ الطَّهَارَةُ فِيهِ شَرْطًا كَالْأَذَانِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا مِنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي عَقِيبَ الْخُطْبَةِ، لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِطَهَارَةٍ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُتَطَهِّرًا، وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَهُوَ سُنَّةٌ. وَلِأَنَّنَا اسْتَحْبَبْنَا ذَلِكَ لِلْأَذَانِ، فَالْخُطْبَةُ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَطَهِّرًا احْتَاجَ إلَى الطَّهَارَةِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ، فَيَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، وَرُبَّمَا طَوَّلَ عَلَى الْحَاضِرِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute