وَقَالَ: حَدِيثُ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ، وَالنُّعْمَانِ بْنِ زُرْعَةَ، هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ، أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمْ الضِّعْفُ مِمَّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَلَا تَسْمَعُهُ يَقُولُ: مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا؟ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا مَرُّوا بِأَمْوَالِهِمْ رُبْعُ الْعُشْرِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، فَذَاكَ ضِعْفُ هَذَا. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِقَوْلِهِ: مِثْلَيْ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَهُوَ أَقْيَسُ؛ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِي سَائِرِ أَمْوَالِهِمْ ضِعْفُ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، لَا ضِعْفُ مَا عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ.
[مَسْأَلَةٌ لَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ أَهْل الْكِتَابِ]
(٧٦٧٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ، وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ. فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ، وَتُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فِي أَكْلِ ذَبَائِحِهِمْ، وَنِكَاحِ نِسَائِهِمْ، فَعَنْهُ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَلَمْ يُبِحْ الشَّافِعِيُّ ذَبَائِحَ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كُلِّهِمْ.
وَكَرِهَ ذَبَائِحَ بَنِي تَغْلِبَ عَطَاءٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالنَّخَعِيُّ. وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّهُمْ لَمْ يَتَمَسَّكُوا مِنْ دِينِهِمْ إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ. وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي دِينِ الْكُفْرِ بَعْدَ التَّبْدِيلِ، فَلَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ. وَهَذَا الصَّحِيحُ عَنْ أَحْمَدَ رَوَاهُ عَنْهُ الْجَمَاعَةُ، وَكَانَ آخِرَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ: فَكَانَ آخِرُ قَوْلِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى بِذَبَائِحِهِمْ بَأْسًا. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
قَالَ الْأَثْرَمُ: وَمَا عَلِمْت أَحَدًا كَرِهَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا عَلِيًّا. وَذَلِكَ لِدُخُولِهِمْ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: ٥] . وَلِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ يُقَرُّونَ عَلَى دِينِهِمْ بِبَذْلِ الْمَالِ، فَتَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ، كَبَنِي إسْرَائِيلَ.
[مَسْأَلَةٌ قَالَ مَنْ يَجُزْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ]
(٧٦٧٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَمَنْ يُجَزْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، أُخِذَ مِنْهُ نِصْفُ الْعُشْرِ فِي السَّنَةِ اشْتَهَرَ هَذَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَصَحَّتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ بِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْجِزْيَةُ، إلَّا أَنْ يَدْخُلَ أَرْضَ الْحِجَازِ، فَيُنْظَرَ فِي حَالِهِ؛ فَإِنْ كَانَ لِرِسَالَةٍ، أَوْ نَقْلِ مِيرَةٍ، أَذِنَ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ لِتِجَارَةٍ لَا حَاجَةَ بِأَهْلِ الْحِجَازِ إلَيْهَا، لَمْ يَأْذَنْ لَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ عِوَضًا بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَشْتَرِطَ نِصْفَ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ شَرَطَ نِصْفَ الْعُشْرِ عَلَى مَنْ دَخَلَ الْحِجَازَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute