للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَفَلَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، لَزِمَتْهُ الْكَفَالَةُ، وَبَطَلَ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ مَا يُبْطِلُهُ، فَأَشْبَهَ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ.

[فَصْلٌ ضَمِنَ رَجُلَانِ عَنْ رَجُلٍ أَلْفًا]

(٣٥٩٢) فَصْلٌ: وَإِذَا ضَمِنَ رَجُلَانِ عَنْ رَجُلٍ أَلْفًا، ضَمَانَ اشْتِرَاطٍ فَقَالَا: ضَمِنَّا لَك الْأَلْفَ الَّذِي عَلَى زَيْدٍ. فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِنِصْفِهِ. وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضَامِنٌ ثُلُثَهُ. فَإِنْ قَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: أَنَا وَهَذَانِ ضَامِنُونَ لَك الْأَلْفَ. فَسَكَتَ الْآخَرَانِ، فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الْأَلْفِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا. وَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا ضَامِنٌ لَك الْأَلْفَ.

فَهَذَا ضَمَانُ اشْتِرَاكٍ وَانْفِرَادٍ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْأَلْفِ كُلِّهِ إنْ شَاءَ. وَإِنْ أَدَّى أَحَدُهُمْ الْأَلْفَ كُلَّهُ، أَوْ حِصَّتَهُ. لَمْ يَرْجِعْ إلَّا عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضَامِنٌ أَصْلِيٌّ، وَلَيْسَ بِضَامِنٍ عَنْ الضَّامِنِ الْآخَرِ.

[مَسْأَلَةٌ مِنْ كِفْل بِنَفْسِ لَزِمَهُ مَا عَلَيْهَا إنْ لَمْ يُسَلِّمْهَا]

(٣٥٩٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ. (وَمَنْ كَفَلَ بِنَفْسٍ لَزِمَهُ مَا عَلَيْهَا إنْ لَمْ يُسَلِّمْهَا) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ صَحِيحَةٌ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. هَذَا مَذْهَبُ شُرَيْحٍ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ: الْكَفَالَةُ بِالْبَدَنِ ضَعِيفَةٌ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ صَحِيحَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا.

وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا ضَعِيفَةٌ فِي الْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَثَرِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِيهَا قَوْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّهَا كَفَالَةٌ بِعَيْنٍ، فَلَمْ تَصِحَّ، كَالْكَفَالَةِ بِالْوَجْهِ وَبَدَنِ الشَّاهِدِينَ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: ٦٦] وَلِأَنَّ مَا وَجَبَ تَسْلِيمُهُ بِعَقْدٍ وَجَبَ تَسْلِيمُهُ بِعَقْدِ الْكَفَالَة، كَالْمَالِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ مَتَى تَعَذَّرَ عَلَى الْكَفِيلِ إحْضَارُ الْمَكْفُولِ بِهِ مَعَ حَيَاتِهِ، أَوْ امْتَنَعَ مِنْ إحْضَارِهِ، لَزِمَهُ مَا عَلَيْهِ. وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: لَا يَغْرَمُ.

وَلَنَا عُمُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» . وَلِأَنَّهَا أَحَدُ نَوْعَيْ الْكَفَالَةِ، فَوَجَبَ بِهَا الْغُرْمُ، كَالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ.

[فَصْلٌ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِفُلَانِ أَوْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِبَدَنِهِ]

(٣٥٩٤) فَصْلٌ: وَإِذَا قَالَ: أَنَا كَفِيلٌ بِفُلَانٍ، أَوْ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِبَدَنِهِ، أَوْ بِوَجْهِهِ، كَانَ كَفِيلًا بِهِ. وَإِنْ كَفَلَ بِرَأْسِهِ أَوْ كَبِدِهِ، أَوْ جُزْءٍ لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ بِدُونِهِ، أَوْ بِجُزْءِ شَائِعٍ مِنْهُ، كَثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ، صَحَّتْ الْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إحْضَارُ ذَلِكَ إلَّا بِإِحْضَارِهِ كُلِّهِ.

وَإِنْ تَكَفَّلَ بِعُضْوٍ تَبْقَى الْحَيَاةُ بَعْدَ زَوَاله، كَيَدِهِ وَرِجْلِهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، تَصِحُّ الْكَفَالَةُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>