وَذَلِكَ لِأَنَّ الزَّمَانَ الْمَحْلُوفَ عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ فِيهِ تَعَيَّنَ بِنِيَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ، فَصَارَ كَالْمُصَرِّحِ بِهِ فِي لَفْظِهِ؛ فَإِنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى النِّيَّةِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى» . (٥٩٤٥) فَصْلٌ: وَلَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ قَبْلَ فِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ.
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ، وَرَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: لَا يَطَأُ حَتَّى يَفْعَلَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْفِعْلِ، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ، وَرَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ: يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْمُولِي، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا. وَلَنَا، أَنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ، لَمْ يَقَعْ فِيهِ طَلَاقٌ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ، فَحَلَّ لَهُ الْوَطْءُ فِيهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَقَوْلُهُمْ: الْأَصْلُ عَدَمُ الْفِعْلِ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ. قُلْنَا: هَذَا الْأَصْلُ لَمْ يَقْتَضِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، فَلَمْ يَقْتَضِ حُكْمَهُ، وَلَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ وَطْئِهِ لَمْ يَضُرَّ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا نَاجِزًا، وَعَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ هَاهُنَا إنَّمَا يَقَعُ فِي زَمَنٍ لَا يُمْكِنُ الْوَطْءُ بَعْدَهُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ.
[فَصْلٌ إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ طَلَاقًا بَائِنًا فَمَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا]
(٥٩٤٦) فَصْلٌ: إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ طَلَاقًا بَائِنًا فَمَاتَتْ، لَمْ يَرِثْهَا؛ لِأَنَّ طَلَاقَهُ أَبَانَهَا مِنْهُ، فَلَمْ يَرِثْهَا، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا نَاجِزًا عِنْدَ مَوْتِهَا. وَإِنْ مَاتَ وَرِثَتْهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك. وَمَاتَ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا، وَرِثَتْهُ، وَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَطْلُقُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَأَشْبَهَ طَلَاقَهُ لَهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ. وَنَحْوُ هَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ. وَيَتَخَرَّجُ لَنَا أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ أَيْضًا. وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ، وَإِنَّمَا تَحَقَّقَ شَرْطُ وُقُوعِهِ فِي الْمَرَضِ، فَلَمْ تَرِثْهُ، كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلِهَا، فَفَعَلَتْهُ فِي مَرَضِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ حَلَفَ إنْ لَمْ تَأْتِ الْبَصْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَلَمْ تَفْعَلْ، فَإِنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ.
وَإِنْ قَالَ: إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَمَاتَ، وَرِثَتْهُ، وَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى فِعْلِهَا، فَإِذَا امْتَنَعَتْ مِنْهُ فَقَدْ حَقَّقَتْ شَرْطَ الطَّلَاقِ، فَلَمْ تَرِثْهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَدَخَلَتْهَا. وَإِذَا عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، فَامْتَنَعَ، كَانَ الطَّلَاقُ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَجَّزَهُ فِي الْحَالِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ طَلَاقٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَمَنَعَهُ مِيرَاثَهُ، وَلَمْ يَمْنَعْهَا، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا ابْتِدَاءً، وَلِأَنَّ الزَّوْجَ أَخَّرَ الطَّلَاقَ اخْتِيَارًا مِنْهُ حَتَّى وَقَعَ مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ، فَصَارَ كَالْمُبَاشِرِ لَهُ. فَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute