ثُمَّ لَبِّ عَنْ شُبْرُمَةَ» . وَمَتِّي أُتِيَ بِهِمَا جَمِيعًا. بَدَأَ بِذِكْرِ الْعُمْرَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ أَنَسٍ، إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ.»
[اسْتِدَامَةُ التَّلْبِيَةِ وَالْإِكْثَارُ مِنْهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ]
(٢٣٠٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (ثُمَّ لَا يَزَالُ يُلَبِّي إذَا عَلَا نَشَزًا، أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَإِذَا الْتَقَتْ الرِّفَاقُ، وَإِذَا غَطَّى رَأْسَهُ نَاسِيًا، وَفِي دُبُرِ الصَّلَوَات الْمَكْتُوبَةِ) يُسْتَحَبُّ اسْتِدَامَةُ التَّلْبِيَةِ، وَالْإِكْثَارُ مِنْهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُضَحِّي لِلَّهِ، يُلَبِّي حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، إلَّا غَابَتْ بِذُنُوبِهِ، فَعَادَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» . وَهِيَ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي سَمَّى الْخِرَقِيِّ؛ لِمَا رَوَى جَابِرٌ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي فِي حَجَّتِهِ إذَا لَقِيَ رَاكِبًا، أَوْ عَلَا أَكَمَةً، أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَفِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، وَمِنْ آخِرِ اللَّيْلِ» . وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ دُبُرَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَإِذَا هَبَطَ وَادِيًا، وَإِذَا عَلَا نَشَزًا، وَإِذَا لَقِيَ رَاكِبًا، وَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَدْ كَانَ قَبْلُ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ: لَا يُلَبِّي عِنْدَ اصْطِدَامِ الرِّفَاقِ. وَقَوْلُ النَّخَعِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّلَفَ، - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا.
[فَصْل يُجْزِئ مِنْ التَّلْبِيَة فِي دُبُر الصَّلَاة مَرَّة وَاحِدَة]
(٢٣٠٩) فَصْلٌ: وَيُجْزِئُ مِنْ التَّلْبِيَةِ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: مَا شَيْءٌ يَفْعَلُهُ الْعَامَّةُ، يُلَبُّونَ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ فَتَبَسَّمَ، وَقَالَ: مَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءُوا بِهِ؟ قُلْت: أَلَيْسَ يُجْزِئُهُ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ؟ قَالَ: بَلَى. وَهَذَا لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ التَّلْبِيَةُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَهَكَذَا التَّكْبِيرُ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ فِي أَيَّامِ الْأَضْحَى وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مَرَّةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةُ ذِكْرٍ وَخَيْرٍ، وَتَكْرَارُهُ ثَلَاثًا حَسَنٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرِ.
[فَصْل لَا يُسْتَحَبّ رَفَعَ الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ فِي الْأَمْصَار]
(٢٣١٠) فَصْلٌ: وَلَا يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ فِي الْأَمْصَارِ، وَلَا فِي مَسَاجِدِهَا، إلَّا فِي مَكَّةَ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يُلَبِّي بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: إنَّ هَذَا لَمَجْنُونٌ، إنَّمَا التَّلْبِيَةُ إذَا بَرَزْت. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُلَبِّي فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا، وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ، أَخْذًا مِنْ عُمُومِ الْحَدِيثِ.
وَلَنَا، قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّ الْمَسَاجِدَ إنَّمَا بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ، وَجَاءَتْ الْكَرَاهَةُ لِرَفْعِ الصَّوْتِ فِيهَا عَامًّا إلَّا الْإِمَامَ خَاصَّةً، فَوَجَبَ إبْقَاؤُهَا عَلَى عُمُومِهَا. فَأَمَّا مَكَّةُ فَتُسْتَحَبُّ التَّلْبِيَةُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ النُّسُكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute