للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ سَرْجَ الدَّابَّةِ لِصَاحِبِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ تَنَازَعَ رَجُلَانِ سَرْجًا عَلَى دَابَّةِ أَحَدِهِمَا، كَانَ لِصَاحِبِهَا، فَصَارَ كَعِمَامَةِ الْعَبْدِ.

فَأَمَّا إنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي دَابَّةٌ بِسَرْجِهَا، أَوْ دَارٌ بِفَرْشِهَا، أَوْ سَفِينَةٌ بِطَعَامِهَا. كَانَ مُقِرًّا بِهِمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ تُعَلِّقُ الثَّانِيَ بِالْأَوَّلِ.

[فَصْلٌ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ أَوْ دِينَارٌ أَوْ إمَّا دِرْهَمٌ وَإِمَّا دِينَارٌ]

(٣٨٥٠) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ، أَوْ دِينَارٌ. أَوْ: إمَّا دِرْهَمٌ وَإِمَّا دِينَارٌ. كَانَ مُقِرًّا بِأَحَدِهِمَا، يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ " أَوْ " وَ " إمَّا " فِي الْخَبَرِ لِلشَّكِّ، وَتَقْتَضِي أَحَدَ الْمَذْكُورَيْنِ لَا جَمِيعَهُمَا.

وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ إمَّا دِرْهَمٌ وَإِمَّا دِرْهَمَانِ. كَانَ مُقِرًّا بِدِرْهَمٍ، وَالثَّانِي مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ بِالشَّكِّ.

[مَسْأَلَة أَقَرَّ بِشَيْءِ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الْكَثِيرَ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ]

(٣٨٥١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الْكَثِيرَ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ، أُخِذَ بِالْكُلِّ، وَكَانَ اسْتِثْنَاؤُهُ بَاطِلًا) . لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ. وَيُحْكَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ دُرُسْتَوَيْهِ النَّحْوِيِّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمْ: يَصِحُّ مَا لَمْ يَسْتَثْنِ الْكُلَّ، فَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إلَّا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ. لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا وَاحِدٌ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: ٨٢] {إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: ٨٣] .

وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: ٤٢] . فَاسْتَثْنَى فِي مَوْضِعٍ الْغَاوِينَ مِنْ الْعِبَادِ، وَفِي مَوْضِعٍ الْعِبَادَ مِنْ الْغَاوِينَ، وَأَيُّهُمَا كَانَ الْأَكْثَرَ فَقَدْ دَلَّ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ. وَأَنْشَدُوا:

أَدُّوا الَّتِي نَقَصَتْ تِسْعِينَ مِنْ مِائَةٍ ... ثُمَّ ابْعَثُوا حَكَمًا بِالْحَقِّ قَوَّامًا

فَاسْتُثْنِيَ تِسْعِينَ مِنْ مِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ. وَمُشَبَّهٌ بِهِ، وَلِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْبَعْضَ، فَجَازَ، كَاسْتِثْنَاءِ الْأَقَلِّ، وَلِأَنَّهُ رَفَعَ بَعْضَ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ، فَجَازَ فِي الْأَكْثَرِ، كَالتَّخْصِيصِ وَالْبَدَلِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا فِي الْأَقَلِّ، وَقَدْ أَنْكَرُوا اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ، فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: لَمْ يَأْتِ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا فِي الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: مِائَةٌ إلَّا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ. لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ عِيًّا مِنْ الْكَلَامِ وَلُكْنَةً.

وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: يُقَالُ: صُمْت الشَّهْرَ إلَّا يَوْمًا. وَلَا يُقَالُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>