للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ.» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.

[فَصْلُ إذَا رَأَى الْهِلَال أَهْلُ بَلَدٍ لَزِمَ جَمِيعَ الْبِلَادِ الصَّوْمُ]

(٢٠٠٢) فَصْلٌ: وَإِذَا رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلَدٍ، لَزِمَ جَمِيعَ الْبِلَادِ الصَّوْمُ. وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ، وَبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ مَسَافَةٌ قَرِيبَةٌ، لَا تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعُ لِأَجْلِهَا كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ، لَزِمَ أَهْلَهُمَا الصَّوْمُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي أَحَدِهِمَا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا بُعْدٌ، كَالْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ وَالشَّامِ، فَلِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ رُؤْيَتُهُمْ. وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّهُ قَالَ: لِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ رُؤْيَتُهُمْ.

وَهُوَ مَذْهَبُ الْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَإِسْحَاقَ؛ لِمَا رَوَى كُرَيْبٌ، قَالَ: «قَدِمْت الشَّامَ، وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ هِلَالُ رَمَضَانَ، وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْنَا الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ، فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ؟ قُلْت: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ. فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْته لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ؟ قُلْت: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا، وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: لَكِنْ رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ. فَقُلْت: أَلَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] . «وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَعْرَابِيِّ لَمَّا قَالَ لَهُ: اللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنْ السَّنَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ» .

وَقَوْلُهُ لِلْآخَرِ لَمَّا قَالَ لَهُ: مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ الصَّوْمِ؟ قَالَ: (شَهْرَ رَمَضَانَ. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، بِشَهَادَةِ الثِّقَاتِ، فَوَجَبَ صَوْمُهُ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. وَلِأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ مِنْهُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ، مِنْ حُلُولِ الدَّيْنِ، وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَوُجُوبِ النُّذُورِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَيَجِبُ صِيَامُهُ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الْعَادِلَةَ شَهِدَتْ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، فَيَجِبُ الصَّوْمُ، كَمَا لَوْ تَقَارَبَتْ الْبُلْدَانُ.

فَأَمَّا حَدِيثُ كُرَيْبٌ فَإِنَّمَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُفْطِرُونَ بُقُولِ كُرَيْبٌ وَحْدَهُ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ وُجُوبُ قَضَاءِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي الْحَدِيثِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قُلْتُمْ إنَّ النَّاسَ إذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ، أَفْطَرُوا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. قُلْنَا: الْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدِهِمَا، أَنَّنَا إنَّمَا قُلْنَا يُفْطِرُونَ إذَا صَامُوا بِشَهَادَتِهِ، فَيَكُونُ فِطْرُهُمْ مَبْنِيًّا عَلَى صَوْمِهِمْ بِشَهَادَتِهِ، وَهَاهُنَا لَمْ يَصُومُوا بِقَوْلِهِ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْفِطْرِ عَلَيْهِ. الثَّانِي، أَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ الْوَجْهِ الْآخَرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>