للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا حَنِثَ فِيهَا مَرَّةً، لَمْ يَحْنَثْ مَرَّةً ثَانِيَةً. وَلَا يَبْقَى حُكْمُ الْيَمِينِ بَعْدَ حِنْثِهِ فِيهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ مَاتَتْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ، فَبَقِيَ حُكْمُ يَمِينِهِ فِي مَنْ بَقِيَ مِنْهُنَّ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، أَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ، كَانَ الْإِيلَاءُ فِي وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ. وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ تَنَاوَلَ وَاحِدَةً مُنْكَرَةً، فَلَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ. وَلَنَا أَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ، كَقَوْلِهِ {مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً} [الجن: ٣] . وَقَوْلِهِ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: ٤] . وَقَوْلِهِ {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: ٤٠] .

وَلَوْ قَالَ إنْسَانٌ: وَاَللَّهِ لَا شَرِبْت مَاءً مِنْ إدَاوَةٍ. حَنِثَ بِالشُّرْبِ مِنْ أَيِّ إدَاوَةٍ كَانَتْ، فَيَجِبُ حَمْلُ اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى مُقْتَضَاهُ فِي الْعُمُومِ. وَإِنْ قَالَ: نَوَيْتُ وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً، أَوْ وَاحِدَةً مُبْهَمَةً. قُبِلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ احْتِمَالًا غَيْرَ بَعِيدٍ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَبْهَمَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا، فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَهَا بِقَوْلِهِ. وَأَصْلُ هَذَا مَذْكُورٌ فِي الطَّلَاقِ.

[فَصْلٌ قَالَ وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ]

(٦١١٧) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ. صَارَ مُولِيًا مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ فِي الْحَالِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: نَوَيْت وَاحِدَةً مِنْهُنَّ مُعَيَّنَةً، وَلَا مُبْهَمَةً؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ كُلِّ أَزَالَتْ احْتِمَالَ الْخُصُوصِ، وَمَتَى حَنِثَ فِي الْبَعْضِ، انْحَلَّ الْإِيلَاءُ فِي الْجَمِيعِ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَقَالَ الْقَاضِي، وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: لَا تَنْحَلُّ فِي الْبَاقِيَاتِ. وَلَنَا أَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ حَنِثَ فِيهَا، فَسَقَطَ حُكْمُهَا، كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ الْوَاحِدَةَ إذَا حَنِثَ فِيهَا مَرَّةً، لَمْ يُمْكِنْ الْحِنْثُ فِيهَا مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمْ يَبْقَ مُمْتَنِعًا مِنْ وَطْءِ الْبَاقِيَاتِ بِحُكْمِ الْيَمِينِ، فَلَمْ يَبْقَ الْإِيلَاءُ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ الَّتِي حَنِثَ فِيهَا، وَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي قُلْنَا بِكَوْنِهِ مُولِيًا مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ إذَا طَالَبْنَ كُلُّهُنَّ بِالْفَيْئَةِ، وُقِفَ لَهُنَّ كُلِّهِنَّ، وَإِنْ طَالَبْنَ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يُوقَفُ لِلْجَمِيعِ وَقْتَ مُطَالَبَةِ أُولَاهُنَّ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَالثَّانِيَةُ، يُوقَفُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عِنْدَ مُطَالَبَتِهَا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.

وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، فَإِذَا وُقِفَ لِلْأُولَى، وَطَلَّقَهَا وَوُقِفَ لِلثَّانِيَةِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا، وُقِفَ لِلثَّالِثَةِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا، وُقِفَ لِلرَّابِعَةِ. وَكَذَلِكَ مَنْ مَاتَ مِنْهُنَّ، لَمْ يَمْنَعْ مِنْ وَقْفِهِ لِلْأُخْرَى؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ لَمْ تَنْحَلَّ، وَإِيلَاؤُهُ بَاقٍ؛ لِعَدَمِ حِنْثِهِ فِيهِنَّ. وَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُنَّ حِينَ وُقِفَ لَهَا، أَوْ قَبْلَهُ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ، وَسَقَطَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ فِي الْبَاقِيَاتِ، عَلَى مَا قُلْنَاهُ. وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، وَمَنْ وَافَقَهُ يُوقَفُ لِلْبَاقِيَاتِ، كَمَا لَوْ طَلَّقَ الَّتِي وُقِفَ لَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>