للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّافِعِيِّ فِي الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةٍ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيمَا لَمْ يُنَصَّ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَالْوَكِيلُ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا فِيمَا نُصَّ لَهُ عَلَيْهِ. وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِالْإِذْنِ، فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ، وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا اقْتَضَتْهُ الْوَصِيَّةُ، كَالْوَكِيلِ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا اقْتَضَتْهُ الْوَكَالَةُ.

[فَصْل الْوَلِيُّ فِي النِّكَاحِ لَهُ التَّوْكِيلُ فِي تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا]

(٣٧٥١) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْوَلِيُّ فِي النِّكَاحِ، فَلَهُ التَّوْكِيلُ فِي تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَنْ وِلَايَتُهُ غَيْرُ وِلَايَةِ الْإِجْبَارِ: هُوَ كَالْوَكِيلِ، يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمَا فِي الْوَكِيلِ.

وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ إلَّا بِإِذْنِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّزْوِيجَ إلَّا بِإِذْنِهَا، أَشْبَهَ الْوَكِيلَ، وَلَنَا، أَنَّ وِلَايَتَهُ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهَا، فَلَمْ يُعْتَبَرْ إذْنُهَا فِي تَوْكِيلِهِ فِيهَا، كَالْأَبِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَلِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ الشَّرْعِيَّةِ، أَشْبَهَ الْحَاكِمَ، وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ يَمْلِكُ تَفْوِيضَ عُقُودِ الْأَنْكِحَةِ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ النِّسَاءِ، فَكَذَلِكَ الْوَلِيُّ. وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِالْحَاكِمِ. وَاَلَّذِي يُعْتَبَرُ إذْنُهَا فِيهِ هُوَ غَيْرُ مَا يُوَكَّلُ فِيهِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إذْنِهَا لَهُ فِي التَّزْوِيجِ أَيْضًا، فَهُوَ كَالْمُوَكَّلِ فِي ذَلِكَ.

[فَصْلٌ أَذِنَ الْمُوَكِّلُ فِي التَّوْكِيلِ فَوَكَّلَ]

(٣٧٥٢) فَصْلٌ: إذَا أَذِنَ الْمُوَكِّلُ فِي التَّوْكِيلِ، فَوَكَّلَ، كَانَ الْوَكِيلُ الثَّانِي وَكِيلًا لِلْمُوَكِّلِ، لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، وَلَا عَزْلِهِ، وَلَا يَمْلِكُ الْأَوَّلُ عَزْلَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلِهِ. وَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُوَكَّلَ لِنَفْسِهِ، جَازَ، وَكَانَ وَكِيلًا لِلْمُوَكَّلِ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَعَزْلِهِ إيَّاهُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُوَكَّلُ، أَوْ عُزِلَ الْأَوَّلُ، انْعَزِلَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُمَا فَرْعَانِ لَهُ، لَكِنَّ أَحَدَهُمَا فَرْعٌ لِلْآخَرِ، فَذَهَبَ حُكْمُهُمَا بِذَهَابِ أَصْلِهِمَا.

وَإِنْ وُكِّلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ نُطْقًا، بَلْ وُجِدَ عُرْفًا، أَوْ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي أَجَزْنَا لَهُ التَّوْكِيلَ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ، فَالثَّانِي وَكِيلُ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ لِنَفْسِهِ.

[فَصْلٌ التَّوْكِيل فِي الْخُصُومَة]

(٣٧٥٣) فَصْلٌ: إذَا وَكَّلَ رَجُلًا فِي الْخُصُومَةِ، لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِقَبْضِ الْحَقِّ وَلَا غَيْرِهِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، فِيمَا عَدَا الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَحَدُ جَوَابَيْ الدَّعْوَى، فَصَحَّ مِنْ الْوَكِيلِ، كَالْإِنْكَارِ.

وَلَنَا، أَنَّ الْإِقْرَارَ مَعْنًى يَقْطَعُ الْخُصُومَةَ وَيُنَافِيهَا، فَلَا يَمْلِكُهُ الْوَكِيلُ فِيهَا، كَالْإِبْرَاءِ. وَفَارَقَ الْإِنْكَارَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ الْخُصُومَةَ، وَيَمْلِكُهُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَفِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ. وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>