[فَصْلٌ حَلَفَ لَيَقْضِينَهُ حَقَّهُ فِي غَدٍ فَمَاتَ الْحَالِفُ مِنْ يَوْمِهِ]
(٨١١٨) فَصْلٌ: فَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فِي غَدٍ، فَمَاتَ الْحَالِفُ مِنْ يَوْمِهِ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ فِي غَدٍ، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ. وَإِنْ مَاتَ، الْمُسْتَحِقُّ فَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ غَدًا، فَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْيَوْمَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ قَضَى وَرَثَتَهُ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ وَرَثَتِهِ يَقُومُ مَقَامَ قَضَائِهِ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ، فَكَذَلِكَ فِي الْبِرِّ فِي يَمِينِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْعَبْدُ، فَإِنَّهُ لَا يَقُومُ ضَرْبُ غَيْرِهِ مَقَامَ ضَرْبِهِ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَبُو ثَوْرٍ: تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِمَوْتِ الْمُسْتَحِقِّ، وَلَا يَحْنَثُ، سَوَاءٌ قَضَى وَرَثَتَهُ أَوْ لَمْ يَقْضِهِمْ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، أَشْبَهَ الْمُكْرَهَ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا، فِي مَسْأَلَةِ مَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ غَدًا، فَمَاتَ الْعَبْدُ الْيَوْمَ. وَإِنْ أَبْرَأَهُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ الْحَقِّ، فَهَلْ يَحْنَثُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى الْمُكْرَهِ هَلْ يَحْنَثُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ قَضَاهُ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ، لَمْ يَحْنَثْ، عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَضَى حَقَّهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِهِ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ.
[فَصْلٌ: حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ فَقَضَاهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الشَّهْرِ]
(٨١١٩) فَصْلٌ: فَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ، أَوْ مَعَ رَأْسِهِ، أَوْ إلَى رَأْسِ الْهِلَالِ، أَوْ إلَى اسْتِهْلَالِهِ، أَوْ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ، أَوْ مَعَ رَأْسِهِ، فَقَضَاهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الشَّهْرِ، بَرَّ فِي يَمِينِهِ. وَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ مَعَ إمْكَانِهِ، حَنِثَ. وَإِنْ شَرَعَ فِي عَدِّهِ أَوْ كَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ، فَتَأَخَّرَ الْقَضَاءُ لِكَثْرَتِهِ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ الْقَضَاءَ. وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الطَّعَامَ، فِي هَذَا الْوَقْتِ، فَشَرَعَ فِي أَكْلِهِ فِيهِ، وَتَأَخَّرَ الْفَرَاغُ لِكَثْرَتِهِ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ أَكْلَهُ كُلَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْيَسِيرِ، فَكَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى الشُّرُوعِ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ عَلَى مُقَارَنَةِ فِعْلِهِ لِذَلِكَ الْوَقْتِ، لِلْعِلْمِ بِالْعَجْزِ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا كُلِّهِ كَمَا ذَكَرْنَا.
[مَسْأَلَةٌ: حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ مَاءَ هَذَا الْإِنَاءِ فَشَرِبَ بَعْضَهُ]
(٨١٢٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ مَاءَ هَذَا الْإِنَاءِ، فَشَرِبَ بَعْضَهُ، حَنِثَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ لَا يَشْرَبَهُ كُلَّهُ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا، لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِفِعْلِ جَمِيعِهِ، وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ، وَأَطْلَقَ، فَفَعَلَ بَعْضَهُ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا. وَإِنْ نَوَى فِعْلَ جَمِيعِهِ، أَوْ كَانَ فِي يَمِينِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِفِعْلِ جَمِيعِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute