عَلَيْهَا، لِيَزِيدَ لَهُ مَا يَأْخُذُهُ، فَيُفْضِي إلَى التَّنَازُعِ، وَهُوَ مَفْسَدَةٌ، فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ مِنْ أَجْلِهِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ مَا أَشْبَهَهُ، مِنْ اشْتِرَاطِ مَنْفَعَةِ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ. وَالثَّانِي، أَنَّ الْمَذْهَبَ، أَنَّهُ يَصِحُّ اشْتِرَاطُ مَنْفَعَةِ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَوْبًا، وَيَشْتَرِطَ عَلَى بَائِعِهِ خِيَاطَتَهُ قَمِيصًا، أَوْ قَلْعَة، وَيَشْتَرِطَ حَذْوَهَا نَعْلًا، أَوْ جُرْزَةَ حَطَبٍ، وَيَشْتَرِطَ حَمْلَهَا إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَغَيْرِهِ. حَتَّى قَالَ الْقَاضِي: لَمْ أَجِدْ بِمَا قَالَ الْخِرَقِيِّ رِوَايَةً فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ.
وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ اشْتَرَى مِنْ نَبَطِيٍّ جُرْزَةَ حَطَبٍ، وَشَارَطَهُ عَلَى حَمْلِهَا. وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ قَلْعَةً، وَيَشْتَرِطَ عَلَى الْبَائِعِ تَشْرِيكَهَا. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ، وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُمَا أَبْطَلَا الْعَقْدَ بِهَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ، فَأَشْبَهَ سَائِرَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَرُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعٍ، وَشَرْطٍ» . وَلَنَا، مَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يَصِحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعٍ، وَشَرْطٍ.
إنَّمَا الصَّحِيحُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ.» كَذَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَهَذَا دَالٌّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى جَوَازِ الشَّرْطِ الْوَاحِدِ. قَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا النَّهْيُ عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ، أَمَّا الشَّرْطُ الْوَاحِدُ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
[فَصْلٌ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً للمتبايعين لِيَصِحَّ اشْتِرَاطُهَا]
(٢٩١٩) فَصْلٌ: وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً لَهُمَا، لِيَصِحَّ اشْتِرَاطُهَا، لِأَنَّنَا نَزَّلْنَا ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْإِجَارَةِ. فَلَوْ اشْتَرَطَ حَمْلَ الْحَطَبِ إلَى مَنْزِلِهِ، وَالْبَائِعُ لَا يَعْرِفُ مَنْزِلَهُ، لَمْ يَصِحَّ. وَلَوْ اشْتَرَطَ حَذْوَهَا نَعْلًا، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ صِفَتِهَا، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً. قَالَ أَحْمَدُ، فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي النَّعْلَ، عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا: جَائِزٌ إذَا أَرَادَ الشِّرَاكَ.
وَإِنْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَهُ، أَوْ بِمَوْتِ الْبَائِعِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِعِوَضِ ذَلِكَ. وَإِنْ تَعَذَّرَ بِمَرَضٍ أُقِيمَ مُقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُ الْعَمَلَ، وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ، كَقَوْلِنَا فِي الْإِجَارَةِ.
[فَصْلٌ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ نَفْعَ الْمَبِيعِ مُدَّةً مَعْلُومَةً]
فَصْلٌ: وَيَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ نَفْعَ الْمَبِيعِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ دَارًا، وَيَسْتَثْنِيَ سُكْنَاهَا شَهْرًا، أَوْ جَمَلًا، وَيَشْتَرِطَ ظَهْرَهُ إلَى مَكَان مَعْلُومٍ، أَوْ عَبْدًا، وَيَسْتَثْنِيَ خِدْمَتَهُ سَنَةً. نَصَّ عَلَى هَذَا أَحْمَدُ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute