وَلَنَا أَنَّ رَبَّ الْمَالِ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ الَّتِي ادَّعَاهَا الْعَامِلُ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . فَإِنْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ، حُكِمَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَفِي أَيِّهِمَا تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ؟ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ. فَإِنْ كَانَ الشَّجَرُ لِاثْنَيْنِ، فَصَدَّقَ أَحَدُهُمَا الْعَامِلَ، وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ، أَخَذَ نَصِيبَهُ مِنْ مَالِ الْمُصَدِّقِ
فَإِنْ شَهِدَ عَلَى الْمُنْكِرِ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا، وَلَا يَدْفَعُ ضَرَرًا، وَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا، كَانَتْ شَهَادَتُهُ كَعَدَمِهَا. وَلَوْ كَانَ الْعَامِلُ اثْنَيْنِ، وَرَبُّ الْمَالِ وَاحِدًا، فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ أَيْضًا؛ لِمَا ذَكَرْنَا.
[فَصْلٌ عَامِل الْمُسَاقَاة يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ بِظُهُورِهَا]
(٤١٣١) فَصْلٌ: وَيَمْلِكُ الْعَامِلُ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ بِظُهُورِهَا، فَلَوْ تَلِفَتْ كُلُّهَا إلَّا وَاحِدَةً، كَانَتْ بَيْنَهُمَا. وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَالثَّانِي يَمْلِكُهُ بِالْمُقَاسَمَةِ، كَالْقِرَاضِ. وَلَنَا أَنَّ الشَّرْطَ صَحِيحٌ، فَيَثْبُتُ مُقْتَضَاهُ، كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الصَّحِيحَةِ، وَمُقْتَضَاهُ كَوْنُ الثَّمَرَةِ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْلِكْهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ، لَمَا وَجَبَتْ الْقِسْمَةُ، وَلَا مَلَكَهَا، كَالْأُصُولِ. وَأَمَّا الْقِرَاضُ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الرِّبْحَ فِيهِ بِالظُّهُورِ كَمَسْأَلَتِنَا، ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرِّبْحَ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ، فَلَمْ يَمْلِكْ حَتَّى يُسَلِّمَ رَأْسَ الْمَالِ لِرَبِّهِ، وَهَذَا لَيْسَ بِوِقَايَةٍ لِشَيْءٍ، وَلِذَلِكَ لَوْ تَلْفِت الْأُصُولُ كُلُّهَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا
فَإِذْ ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَكَاةُ نَصِيبِهِ، إذَا بَلَغَتْ حِصَّتُهُ نِصَابًا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الْمُزَارَعَةِ. وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ النِّصَابَ إلَّا بِجَمْعِهِمَا، لَمْ تَجِبْ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَة لَا تُؤَثِّرُ فِي غَيْرِ الْمَوَاشِي فِي الصَّحِيحِ. وَعَنْهُ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ، فَتُؤَثِّرُ هَا هُنَا، فَيُبْدَأُ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ ثُمَّ يَقْسِمَانِ مَا بَقِيَ. وَإِنْ كَانَتْ حِصَّةُ أَحَدِهِمَا تَبْلُغُ نِصَابًا دُونَ الْآخَرِ، فَعَلَى مَنْ بَلَغَتْ حِصَّتُهُ نِصَابًا الزَّكَاةُ دُونَ الْآخَرِ، يُخْرِجُهَا بَعْدَ الْمُقَاسَمَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِمَنْ لَمْ تَبْلُغْ حِصَّتُهُ نِصَابًا مَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ مِنْ مَوَاضِعَ أُخَرَ، فَتَجِبُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا الزَّكَاةُ
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثَمَرٌ مِنْ جِنْسِ حِصَّتِهِ، يَبْلُغَانِ بِمَجْمُوعِهِمَا نِصَابًا، فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي حِصَّتِهِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِمَّنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، كَالْمُكَاتَبِ، وَالذِّمِّيِّ، فَعَلَى الْآخَرِ زَكَاةُ حِصَّتِهِ إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا. وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ اللَّيْثُ: إنْ كَانَ شَرِيكُهُ نَصْرَانِيًّا، أَعْلَمَهُ أَنَّ الزَّكَاةَ مُؤَدَّاةٌ فِي الْحَائِطِ، ثُمَّ يُقَاسِمُهُ بَعْدَ الزَّكَاةِ مَا بَقِيَ
وَلَنَا أَنَّ النَّصْرَانِيَّ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، فَلَا يَخْرُجُ مِنْ حِصَّتِهِ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِهَا، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد، فِي " السُّنَنِ "، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute