لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحَرَّمًا لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانًا عَامًّا، وَلَوَجَبَ فِيهِ الْجَزَاءُ، كَصَيْدِ الْحَرَمِ.
وَلَنَا، مَا رَوَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ، مَا بَيْنَ ثَوْرٍ إلَى عِيرٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى تَحْرِيمَ الْمَدِينَةِ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَرَافِعٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ. مُتَّفَقٌ عَلَى أَحَادِيثِهِمْ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعْدٍ، وَجَابِرٍ، وَأَنَسٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَعْمِيمِ الْبَيَانِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي الدَّرَجَةِ دُونَ أَخْبَارِ تَحْرِيمِ الْحَرَمِ، وَقَدْ قَبِلُوهُ وَأَثْبَتُوا أَحْكَامَهُ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ أَنْ يُبَيِّنَهُ بَيَانًا خَاصًّا، أَوْ يُبَيِّنَهُ بَيَانًا عَامًّا، فَيُنْقَلُ نَقْلًا خَاصًّا، كَصِفَةِ الْأَذَانِ وَالْوِتْرِ وَالْإِقَامَةِ.
[فَصْل حَرَمُ الْمَدِينَةِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا]
(٢٤٢٠) فَصْلٌ: وَحَرَمُ الْمَدِينَةِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ. وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُول: لَوْ رَأَيْت الظِّبَاءَ تَرْتَعُ بِالْمَدِينَةِ مَا ذَعَرْتهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَاللَّابَةُ: الْحَرَّةُ، وَهِيَ أَرْضٌ فِيهَا حِجَارَةٌ سُودٌ. قَالَ أَحْمَدُ: مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ. بَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ، كَذَا فَسَّرَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ اثْنَا عَشَرِ مِيلًا حِمًى» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: «مَا بَيْنَ ثَوْرٍ إلَى عِيرٍ» . فَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْمَدِينَةِ: لَا نَعْرِفُ بِهَا ثَوْرًا وَلَا عِيرًا. وَإِنَّمَا هُمَا جَبَلَانِ بِمَكَّةَ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ قَدْرَ مَا بَيْنَ ثَوْرٍ وَعِيرٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ جَبَلَيْنِ بِالْمَدِينَةِ، وَسَمَّاهُمَا ثَوْرًا وَعِيرًا، تَجَوُّزًا.
[فَصْل فَعَلَ الْمُحْرِم شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِ]
(٢٤٢١) فَصْلٌ: فَمَنْ فَعَلَ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِ شَيْئًا، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، لَا جَزَاءَ فِيهِ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يَجُوزُ دُخُولُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ جَزَاءٌ، كَصَيْدِ وَجِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute