مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَرْقِ، ثُمَّ يَبْطُلُ قِيَاسُهُمْ بِقَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ: إنْ أَعْطَيْتَنِي أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ. فَإِنَّهُ كَمَسْأَلَتِنَا، وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي، عَلَى أَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ حُكْمَ هَذَا اللَّفْظِ حُكْمُ الشَّرْطِ الْمُطْلَقِ.
[فَصْلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ إنَّ شِئْت]
(٥٧٧٧) فَصْلٌ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ إنْ شِئْت لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشَاءَ، فَإِذَا شَاءَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَيَسْتَحِقُّ الْأَلْفَ سَوَاءٌ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ فَقَالَتْ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ. فَأَجَابَهَا، أَوْ قَالَ ذَلِكَ لَهَا ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى شَرْطٍ، فَلَمْ يُوجَدْ قَبْلَ وُجُودِهِ. وَتُعْتَبَرُ مَشِيئَتُهَا بِالْقَوْلِ، فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَ مَحِلُّهَا الْقَلْبَ، فَلَا يُعْرَفُ مَا فِي الْقَلْبِ إلَّا بِالنُّطْقِ، فَيُعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى التَّرَاخِي، فَمَتَى شَاءَتْ طَلُقَتْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَذَلِكَ، إلَّا فِي أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَهُ. وَلَوْ أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمْرُك بِيَدِك إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا.
فَقِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ أَمْرَك بِيَدِك، عَلَى التَّرَاخِي، وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت. أَنَّ لَهَا الْمَشِيئَةَ بَعْدَ مَجْلِسِهَا. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ عَلَى التَّرَاخِي. وَلَوْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ إنْ شِئْت. كَانَ عَلَى التَّرَاخِي. وَالطَّلَاقُ نَظِيرُ الْعِتْقِ. فَعَلَى هَذَا، مَتَى ضَمِنَتْ لَهُ أَلْفًا، كَانَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا، وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا جَعَلَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ أَمْرَك بِيَدِك تَوْكِيلٌ مِنْهُ لَهَا، فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ، كَمَا يَرْجِعُ فِي الْوَكَالَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا. فَمَتَى ضَمِنَتْ لَهُ أَلْفًا، وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا، وَقَعَ، مَا لَمْ يَرْجِعْ. وَإِنْ ضَمِنَتْ الْأَلْفَ وَلَمْ تَطْلُقْ، أَوْ طَلُقَتْ وَلَمْ تَضْمَنْ، لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ.
[مَسْأَلَةٌ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ فَخَرَجَ حُرًّا]
(٥٧٧٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ، فَخَرَجَ حُرًّا أَوْ اُسْتُحِقَّ، فَلَهُ عَلَيْهَا قِيمَتُهُ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى عِوَضٍ يَظُنُّهُ مَالًا، فَبَانَ غَيْرَ مَالٍ، مِثْلُ أَنْ يُخَالِعَهَا عَلَى عَبْدٍ تُعَيِّنُهُ فَيَبِينُ حُرًّا، أَوْ مَغْصُوبًا، أَوْ عَلَى خَلٍّ فَيَبِينُ خَمْرًا، فَإِنَّ الْخُلْعَ صَحِيحٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ مُعَاوَضَةٌ بِالْبُضْعِ، فَلَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْعِوَضِ، كَالنِّكَاحِ، وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِقِيمَتِهِ لَوْ كَانَ عَبْدًا وَبِهَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ. وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى هَذَا الدَّنِّ الْخَلِّ، فَبَانَ خَمْرًا، رَجَعَ عَلَيْهَا بِمِثْلِهِ خَلًّا؛ لِأَنَّ الْخَلَّ مِنْ ذَوَات الْأَمْثَالِ، وَقَدْ دَخَلَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمُعَيَّنَ خَلٌّ، فَكَانَ لَهُ مِثْلُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ خَلًّا فَتَلِفَ قَبْل قَبْضِهِ، وَقَدْ قِيلَ: يَرْجِعُ بِقِيمَةِ مِثْلِهِ خَلًّا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ.
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute