أَحَدٌ، فَعَمَرَهُ رَجُلٌ عِمَارَةً لَا تَرُدُّ الْمَاءَ، مِثْلَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَزْرَعَةً، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَحَجِّرٌ لِمَا لَيْسَ لِمُسْلِمِ فِيهِ حَقٌّ، فَأَشْبَهَ التَّحَجُّرَ فِي الْمَوَاتِ.
[فَصْلٌ حُكْم إحْيَاء مَا كَانَ مِنْ الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ وَالرِّحَابِ بَيْنَ الْعُمْرَانِ]
(٤٣٤٧) فَصْلٌ: وَمَا كَانَ مِنْ الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ وَالرِّحَابِ بَيْنَ الْعُمْرَانِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ إحْيَاؤُهُ، سَوَاءٌ كَانَ وَاسِعًا أَوْ ضَيِّقًا، وَسَوَاءٌ ضَيَّقَ عَلَى النَّاسِ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يُضَيِّقْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ، وَتَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَتُهُمْ، فَأَشْبَهَ مَسَاجِدَهُمْ. وَيَجُوزُ الِارْتِفَاقُ بِالْقُعُودِ فِي الْوَاسِعِ مِنْ ذَلِكَ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، عَلَى وَجْهٍ لَا يُضَيِّقُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ؛ لِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ عَلَى إقْرَارِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ، وَلِأَنَّهُ ارْتِفَاقٌ مُبَاحٌ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ، كَالِاجْتِيَازِ، قَالَ أَحْمَدُ، فِي السَّابِقِ إلَى دَكَاكِينِ السُّوقِ غَدْوَةً: فَهُوَ لَهُ إلَى اللَّيْلِ. وَكَانَ هَذَا فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ فِيمَا مَضَى.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِنًى مَنَاخُ مَنْ سَبَقَ» . وَلَهُ أَنْ يُظَلِّلَ عَلَى نَفْسِهِ، بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ، مِنْ بَارِيَّةٍ، وَتَابُوتٍ، وَكِسَاءٍ، وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ فِيهِ. وَلَيْسَ لَهُ الْبِنَاءُ لَا دَكَّةً وَلَا غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهُ يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ، وَيَعْثُرُ بِهِ الْمَارَّةُ بِاللَّيْلِ، وَالضَّرِيرُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَيَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ، فَرُبَّمَا ادَّعَى مِلْكَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ. وَالسَّابِقُ أَحَقُّ بِهِ مَا دَامَ فِيهِ، فَإِنْ قَامَ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ فِيهِ، لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ إزَالَتُهُ؛ لِأَنَّ يَدَ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَقَلَ مَتَاعَهُ، كَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقْعُدَ فِيهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ قَدْ زَالَتْ
وَإِنْ قَعَدَ وَأَطَالَ، مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُتَمَلِّكِ، وَيَخْتَصُّ بِنَفْعٍ يُسَاوِيه غَيْرُهُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُزَالَ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ. وَإِنْ اسْتَبَقَ اثْنَانِ إلَيْهِ، احْتَمَلَ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يُقَدِّمَ الْإِمَامُ مَنْ يَرَى مِنْهُمَا. وَإِنْ كَانَ الْجَالِسُ يُضَيِّقُ عَلَى الْمَارَّةِ، لَمْ يَحِلّ لَهُ الْجُلُوسُ فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْإِمَامِ تَمْكِينُهُ بِعِوَضٍ، وَلَا غَيْرِهِ. قَالَ أَحْمَدُ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَبِيعُونَ عَلَى الطَّرِيقِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الطَّرِيقَ ضَيِّقٌ، أَوْ يَكُونُ يُؤْذِي الْمَارَّةَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ
وَقَالَ: لَا يُعْجِبُنِي الطَّحْنُ فِي الْعُرُوبِ إذَا كَانَتْ فِي طَرِيقِ النَّاسِ. وَهُوَ السُّفُنُ الَّتِي يُطْحَنُ فِيهَا فِي الْمَاءِ الْجَارِي. إنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ، لِتَضْيِيقِهَا طَرِيقَ السُّفُنِ الْمَارَّةِ فِي الْمَاءِ. قَالَ أَحْمَدُ: رُبَّمَا غَرِقَتْ السُّفُنُ، فَأَرَى لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَوَقَّى الشِّرَاءَ مِمَّا يُطْحَنُ بِهَا.
[فَصْلٌ فِي الْقَطَائِعِ]
(٤٣٤٨) فَصْلٌ: فِي الْقَطَائِعِ، وَهِيَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا إقْطَاعُ إرْفَاقٍ، وَذَلِكَ إقْطَاعُ مَقَاعِدِ السُّوقِ، وَالطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ، وَرِحَابِ الْمَسَاجِدِ، الَّتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute