وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْخُلْعَ بِالْمَجْهُولِ جَائِزٌ، وَلَهُ مَا جُعِلَ لَهُ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْي. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةً، فَلَا يَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ، كَالْبَيْعِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَصِحُّ الْخُلْعُ، وَلَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ بِالْبُضْعِ، فَإِذَا كَانَ الْعِوَضُ مَجْهُولًا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، كَالنِّكَاحِ. وَلَنَا، أَنَّ الطَّلَاقَ مَعْنَى يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، فَجَازَ أَنْ يُسْتَحَقَّ بِهِ الْعِوَضُ الْمَجْهُولُ كَالْوَصِيَّةِ، وَلِأَنَّ الْخُلْعَ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِ مِنْ الْبُضْعِ، لَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ شَيْءٍ، وَالْإِسْقَاطُ تَدْخُلُهُ الْمُسَامَحَةُ، وَلِذَلِكَ جَازَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ.
وَإِذَا صَحَّ الْخُلْعُ، فَلَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْذُلْهُ، وَلَا فَوَّتَتْ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُهُ، فَإِنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَخْرَجَتْهُ مِنْ مِلْكِهِ بِرِدَّتِهَا، أَوْ رَضَاعِهَا لِمَنْ يَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُهَا، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا شَيْءٌ، وَلَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا أَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ، لَمْ يَجِبْ لِلزَّوْجِ عِوَضٌ عَنْ بُضْعِهَا، وَلَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ مُكْرَهَةً، لَوَجَبَ الْمَهْرُ لَهَا دُونَ الزَّوْجِ، وَلَوْ طَاوَعَتْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ الْبُضْعُ عَلَى الزَّوْجِ فِي النِّكَاحِ خَاصَّةً، وَأَبَاحَ لَهَا افْتِدَاءَ نَفْسِهَا لِحَاجَتِهَا إلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ مَا رَضِيَتْ بِبَذْلِهِ، فَأَمَّا إيجَابُ شَيْءٍ لَمْ تَرْضَ بِهِ فَلَا وَجْهَ لَهُ.
فَعَلَى هَذَا، إنْ خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي يَدِهَا مِنْ الدَّرَاهِمَ، صَحَّ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهَا دَرَاهِمُ فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَلَهُ عَلَيْهَا ثَلَاثَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الدَّرَاهِمِ حَقِيقَةً، لَفْظُهَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ، فَاسْتَحَقَّهُ كَمَا لَوْ وَصَّى لَهُ بِدَرَاهِمَ. وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَهُوَ فِي يَدِهَا. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَلَاثَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِيهَا فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ فِي يَدِهَا.
[فَصْلٌ الْخُلْع عَلَى مَجْهُولٍ]
(٥٧٦٥) فَصْلٌ: وَالْخُلْعُ عَلَى مَجْهُولٍ يَنْقَسِمُ أَقْسَامًا؛: أَحَدُهَا، أَنْ يُخَالِعَهَا عَلَى عَدَدٍ مَجْهُولٍ مِنْ شَيْءٍ غَيْرِ مُخْتَلِفٍ، كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، كَاَلَّتِي يُخَالِعُهَا عَلَى مَا فِي يَدِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ، فَهِيَ هَذِهِ الَّتِي ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ حُكْمَهَا. وَالثَّانِي، أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ مُخْتَلِفٍ لَا يَعْظُمُ اخْتِلَافُهُ، مِثْلُ أَنْ يُخَالِعَهَا عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ أَوْ عَبِيدٍ، أَوْ يَقُولَ: إنْ أَعْطَيْتِنِي عَبْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِأَيِّ عَبْدٍ أَعْطَتْهُ إيَّاهُ، وَيَمْلِكُهُ بِذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ لَهُ غَيْرُهُ. وَكَذَلِكَ إنْ خَالَعَتْهُ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْعَبْدِ. وَإِنْ خَالَعَتْهُ عَلَى عَبِيدٍ فَلَهُ ثَلَاثَةٌ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَقِيَاسُ قَوْلِهِ وَقَوْلِ الْخِرَقِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِيمَا إذَا قَالَ: إذَا أَعْطَيْتِنِي عَبْدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute