اسْتِرْجَاعِهِ، لَمْ يَصِحَّ اسْتِرْجَاعُهُ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَوْجُودِ مِنْ مَالِهِ. وَإِنْ رَجَعَ فِي الْمَبِيعِ، وَاشْتَبَهَ بِغَيْرِهِ، فَقَالَ الْبَائِعُ: هَذَا هُوَ الْمَبِيعُ. وَقَالَ الْمُفْلِسُ: بَلْ هَذَا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُفْلِسِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِاسْتِحْقَاقِ مَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ، وَالْأَصْلُ مَعَهُ.
[مَسْأَلَةٌ وَجَبَ لَهُ حَقٌّ بِشَاهِدِ فَلَمْ يَحْلِفْ]
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَمَنْ وَجَبَ لَهُ حَقٌّ بِشَاهِدٍ، فَلَمْ يَحْلِفْ، لَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْلِفُوا مَعَهُ، وَيَسْتَحِقُّوا. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُفْلِسَ فِي الدَّعْوَى كَغَيْرِهِ، فَإِذَا ادَّعَى حَقًّا لَهُ بِهِ شَاهِدُ عَدْلٍ، وَحَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ، ثَبَتَ الْمَالُ، وَتَعَلَّقَتْ بِهِ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ. وَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ؛ لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ صِدْقَ الشَّاهِدِ، وَلَوْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِشَهَادَتِهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى يَمِينٍ مَعَهُ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْحَلِفِ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُ صِدْقَهُ كَغَيْرِهِ. فَإِنْ قَالَ الْغُرَمَاءُ: نَحْنُ نَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ. لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: يَحْلِفُونَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ تَعَلَّقَتْ بِالْمَالِ، فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا، كَالْوَرَثَةِ يَحْلِفُونَ عَلَى مَالِ مَوْرُوثِهِمْ. وَلَنَا، أَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ مِلْكًا لِغَيْرِهِمْ؛ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِهِمْ بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ ذَلِكَ، كَالْمَرْأَةِ تَحْلِفُ لِإِثْبَاتِ مِلْكٍ لِزَوْجِهَا؛ لِتَعَلُّقِ نَفَقَتِهَا بِهِ، وَكَالْوَرَثَةِ قَبْلَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِمْ. وَفَارَقَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّ الْمَالَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ، وَهُمْ يُثْبِتُونَ بِأَيْمَانِهِمْ مِلْكًا لَأَنْفُسِهِمْ.
[مَسْأَلَة كَانَ عَلَى الْمُفْلِسِ دَيْن مُؤَجَّلٌ]
(٣٤٤٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمُفْلِسِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، لَمْ يَحِلَّ بِالتَّفْلِيسِ، وَكَذَلِكَ فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمَيِّتِ، إذَا وَثَّقَ الْوَرَثَةُ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ يَحِلُّ بِفَلَسِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَهُ الْقَاضِي. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُ يَحِلُّ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ كَالْمَذْهَبَيْنِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْإِفْلَاسَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الدَّيْنُ بِالْمَالِ، فَأَسْقَطَ الْأَجَلَ كَالْمَوْتِ. وَلَنَا، أَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِلْمُفْلِسِ، فَلَا يَسْقُطُ بِفَلَسِهِ، كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ حُلُولَ مَالِهِ، فَلَا يُوجِبُ حُلُولَ مَا عَلَيْهِ، كَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ، وَلِأَنَّهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ عَلَى حَيٍّ، فَلَمْ يَحِلَّ قَبْلَ أَجَلِهِ، كَغَيْرِ الْمُفْلِسِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الدَّيْنَ يَحِلُّ بِالْمَوْتِ، فَهُوَ كَمَسْأَلَتِنَا، وَإِنْ سَلَّمْنَا، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ ذِمَّتَهُ خَرِبَتْ وَبَطَلَتْ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إذَا حُجِرَ عَلَى الْمُفْلِسِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُشَارِكُ أَصْحَابُ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ غُرَمَاءَ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ، بَلْ يُقْسَمُ الْمَالُ الْمَوْجُودُ بَيْنَ أَصْحَابِ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ، وَيَبْقَى الْمُؤَجَّلُ فِي الذِّمَّةِ إلَى وَقْتِ حُلُولِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْتَسِمْ الْغُرَمَاءُ حَتَّى حَلَّ الدَّيْنُ، شَارَكَ الْغُرَمَاءَ، كَمَا لَوْ تَجَدَّدَ عَلَى الْمُفْلِسِ دَيْنٌ بِجِنَايَتِهِ، وَإِنْ أَدْرَكَ بَعْضَ الْمَالِ قَبْلَ قَسَمَهُ، شَارَكَهُمْ فِيهِ، وَيَضْرِبُ فِيهِ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ، وَيَضْرِبُ سَائِرُ الْغُرَمَاءِ بِبَقِيَّةِ دُيُونِهِمْ. وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الدَّيْنَ يَحِلُّ. فَإِنَّهُ يَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِدَيْنِهِ، كَغَيْرِهِ مِنْ أَرْبَابِ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute