[فَصْلٌ مِنْ عَلَامَات الْبُلُوغ خُرُوجُ الْمَنِيِّ مِنْ ذَكَرِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ]
(٣٤٧٢) فَصْلٌ: وَإِذَا وُجِدَ خُرُوجُ الْمَنِيِّ مِنْ ذَكَرِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ، فَهُوَ عَلَمٌ عَلَى بُلُوغِهِ، وَكَوْنِهِ رَجُلًا، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ فَرْجِهِ، أَوْ حَاضَ، فَهُوَ عَلَمٌ عَلَى بُلُوغِهِ، وَكَوْنِهِ امْرَأَةً. وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَمًا عَلَى الْبُلُوغِ، فَإِنْ اجْتَمَعَا، فَقَدْ بَلَغَ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْفَرْجُ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ ذَلِكَ خِلْقَةً زَائِدَةً.
وَلَنَا، أَنَّ خُرُوجَ الْبَوْلِ مِنْ أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، فَخُرُوجُ الْمَنِيِّ وَالْحَيْضِ أَوْلَى، وَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ رَجُلًا خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ ذَكَرِهِ، أَوْ امْرَأَةً خَرَجَ الْحَيْضُ مِنْ فَرْجِهَا، لَزِمَ وُجُودُ الْبُلُوغِ، وَلِأَنَّ خُرُوجَ مَنِيِّ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَالْحَيْضِ مِنْ الرَّجُلِ، مُسْتَحِيلٌ، فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى التَّعْيِينِ، فَإِذَا ثَبَتَ التَّعْيِينُ لَزِمَ كَوْنُهُ دَلِيلًا عَلَى الْبُلُوغِ، كَمَا لَوْ تَعَيَّنَ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَلِأَنَّهُ مَنِيٌّ خَارِجٌ مِنْ ذَكَرٍ، أَوْ حَيْضٌ خَارِجٌ مِنْ فَرْجٍ، فَكَانَ عَلَمًا عَلَى الْبُلُوغ كَالْمَنِيِّ الْخَارِجِ مِنْ الْغُلَامِ، وَالْحَيْضِ الْخَارِجِ مِنْ الْجَارِيَةِ، وَلِأَنَّهُمْ سَلَّمُوا أَنَّ خُرُوجَهُمَا مَعًا دَلِيلٌ عَلَى الْبُلُوغِ، فَخُرُوجُ أَحَدِهِمَا مُنْفَرِدًا أَوْلَى؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُمَا مَعًا يَقْتَضِي تَعَارُضَهُمَا، وَإِسْقَاطَ دَلَالَتِهِمَا، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْتَمِعَ حَيْضٌ صَحِيحٌ وَمَنِيُّ رَجُلٍ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فَضْلَةً خَارِجَةً مِنْ غَيْرِ مَحَلِّهَا، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، فَتَبْطُلُ دَلَالَتُهُمَا، كَالْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا، وَكَالْبَوْلِ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ جَمِيعًا، بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا مُنْفَرِدًا، فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِأَنَّ الْحَيْضَ يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةَ عِنْدَ بُلُوغِهَا، وَمَنِيَّ الرَّجُلِ يَخْرُجُ مِنْ ذَكَرِهِ عِنْدَ بُلُوغِهِ، فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ وَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُهُ، وَيَقْضِي بِثُبُوتِ دَلَالَتِهِ، كَالْحُكْمِ بِكَوْنِهِ رَجُلًا، بِخُرُوجِ الْبَوْلِ مِنْ ذَكَرِهِ، وَبِكَوْنِهِ امْرَأَةً، بِخُرُوجِهِ مِنْ فَرْجِهَا، وَالْحُكْمِ لِلْغُلَامِ بِالْبُلُوغِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ ذَكَرِهِ، وَلِلْجَارِيَةِ بِخُرُوجِ الْحَيْضِ مِنْ فَرْجِهَا، فَعَلَى هَذَا إنْ خَرَجَا جَمِيعًا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ رَجُلًا وَلَا امْرَأَةً؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَيْنِ تَعَارَضَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ خَرَجَ الْبَوْلُ مِنْ الْفَرْجَيْنِ.
وَهَلْ يَثْبُتُ الْبُلُوغُ بِذَلِكَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَثْبُتُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا، فَقَدْ خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ ذَكَرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً، فَقَدْ حَاضَتْ.
وَالثَّانِي، لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا حَيْضًا وَلَا مَنِيًّا، فَلَا يَكُونُ فِيهِ دَلَالَةٌ، وَقَدْ دَلَّ تَعَارُضُهُمَا عَلَى ذَلِكَ، فَانْتَفَتْ دَلَالَتُهُمَا عَلَى الْبُلُوغِ، كَانْتِفَاءِ دَلَالَتِهِمَا عَلَى الذُّكُورِيَّةِ وَالْأُنُوثِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ الْجَارِيَةَ إذَا بَلَغَتْ وَأُونِسَ رُشْدُهَا بَعْد بُلُوغِهَا]
(٣٤٧٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ، وَإِنْ لَمْ تُنْكَحْ) يَعْنِي أَنَّ الْجَارِيَةَ إذَا بَلَغَتْ، وَأُونِسَ رُشْدُهَا بَعْد بُلُوغِهَا، دُفِعَ إلَيْهَا مَالُهَا، وَزَالَ الْحَجْرُ عَنْهَا، وَإِنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ. وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ، عَنْ أَحْمَدَ لَا يُدْفَعُ إلَى الْجَارِيَةِ مَالُهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا، حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَتَلِدَ، أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا سَنَةٌ فِي بَيْتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute