وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُمَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فِي مَعْنَى الثَّمَنِيَّةِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُتَّخَذُ وَسِيلَةً إلَى الرِّبَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهَا بِجِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ. وَهَذَا أَصَحُّ. إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (٣٠٤٣)
فَصْلٌ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى مَسْأَلَةَ الْعِينَةِ. قَالَ الشَّاعِرُ
أَنِدَّانِ أَمْ نَعْتَانِ أَمْ يَنْبَرِي لَنَا ... فَتًى مِثْلُ نَصْلِ السَّيْفِ مُيِّزَتْ مَضَارِبُهُ
فَقَوْلُهُ: نَعْتَانِ. أَيْ نَشْتَرِي عِينَةً مِثْلَمَا وَصَفْنَا. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُمْ» . وَهَذَا وَعِيدٌ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ الْعِينَةُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الرَّجُلِ الْمَتَاعُ، فَلَا يَبِيعُهُ إلَّا بِنَسِيئَةٍ، فَإِنْ بَاعَهُ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ فَلَا بَأْسَ. وَقَالَ: أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ تِجَارَةٌ غَيْرُ الْعِينَةِ لَا يَبِيعُ بِنَقْدٍ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ إنَّمَا كَرِهَ النَّسِيئَةَ لِمُضَارَعَتِهَا الرِّبَا، فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْبَائِعَ بِنَسِيئَةٍ يَقْصِدُ الزِّيَادَةَ بِالْأَجَلِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِينَةُ اسْمًا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلِلْبَيْعِ بِنَسِيئَةٍ جَمِيعًا، لَكِنَّ الْبَيْعَ بِنَسِيئَةٍ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ اتِّفَاقًا، وَلَا يُكْرَهُ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ تِجَارَةٌ غَيْرُهُ. .
[فَصْلٌ بَاعَ سِلْعَة بِنَقْدِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِأَكْثَر مِنْهُ نَسِيئَة]
(٣٠٤٤) فَصْلٌ وَإِنْ بَاعَ سِلْعَةً بِنَقْدٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِأَكْثَرَ مِنْهُ نَسِيئَةً، فَقَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُغَيِّرَ السِّلْعَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَّخِذُهُ وَسِيلَةً إلَى الرِّبَا، فَأَشْبَهَ مَسْأَلَةَ الْعِينَةِ فَإِنْ اشْتَرَاهَا بِنَقْدٍ آخَرَ، أَوْ بِسِلْعَةٍ أُخْرَى، أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهَا نَسِيئَةً، جَازَ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ لَهُ شِرَاؤُهَا بِجِنْسِ الثَّمَنِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ مُوَاطَأَةٍ، أَوْ حِيلَةٍ، فَلَا يَجُوزُ. وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute