هَذَا لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَهَذَا يُحْمَلُ عَلَى بَيْعِهِنَّ لِأَجْلِ الْغِنَاءِ، فَأَمَّا مَالِيَّتُهُنَّ الْحَاصِلَةُ بِغَيْرِ الْغِنَاءِ فَلَا تَبْطُلُ، كَمَا أَنَّ الْعَصِيرَ لَا يَحْرُمُ بَيْعُهُ لِغَيْرِ الْخَمْرِ، لِصَلَاحِيَّتِهِ لِلْخَمْرِ.
[فَصْلٌ بَيْع الْخَمْر أَوْ التَّوْكِيل فِي بَيْعه أَوَشِرَاؤُهُ]
(٣١١٦) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَمْرِ، وَلَا التَّوْكِيلُ فِي بَيْعِهِ، وَلَا شِرَاؤُهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْخَمْرِ غَيْرُ جَائِزٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُوَكِّلَ ذِمِّيًّا فِي بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا. وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَإِنَّ عَائِشَةَ رَوَتْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «حُرِّمَتْ. التِّجَارَةُ فِي الْخَمْرِ» . وَعَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ، يَقُولُ «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهُ تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَتُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ: لَا، هُوَ حَرَامٌ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا، فَجَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، وَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمَنْ وُكِّلَ فِي بَيْعِ الْخَمْرِ، وَأَكَلَ ثَمَنَهُ، فَقَدْ أَشْبَهَهُمْ فِي ذَلِكَ.
وَلِأَنَّ الْخَمْرَ نَجِسَةٌ مُحَرَّمَةٌ، يَحْرُمُ بَيْعُهَا، وَالتَّوْكِيلُ فِي بَيْعِهَا، كَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ، وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَيْعُهُ، فَحَرُمَ عَلَيْهِ التَّوْكِيلُ فِي بَيْعِهِ، كَالْخِنْزِيرِ.
[مَسْأَلَةٌ النَّهْي عَنْ الشَّرْطَيْنِ فِي الْبَيْعِ]
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ إذَا كَانَ فِيهِ شَرْطَانِ، وَلَا يُبْطِلُهُ شَرْطٌ وَاحِدٌ) ثَبَتَ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَنَّهُ قَالَ: الشَّرْطُ الْوَاحِدُ لَا بَأْسَ بِهِ، إنَّمَا نُهِيَ عَنْ الشَّرْطَيْنِ فِي الْبَيْعِ، ذَهَبَ أَحْمَدُ إلَى مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» أَخْرُجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ الْأَثْرَمُ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: إنَّ هَؤُلَاءِ يَكْرَهُونَ الشَّرْطَ فِي الْبَيْعِ. فَنَفَضَ يَدَهُ، وَقَالَ: الشَّرْطُ الْوَاحِدُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْبَيْعِ، إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَرْطَيْنِ فِي الْبَيْعِ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ الشَّرْطِ حِينَ بَاعَهُ جَمَلَهُ، وَشَرَطَ ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ. وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الشَّرْطَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُمَا، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ؛ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ صَحِيحَانِ، لَيْسَا مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ.
فَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ، وَعَنْ إِسْحَاقَ فِي مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا، وَاشْتَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ خِيَاطَتَهُ وَقِصَارَتَهُ، أَوْ طَعَامًا، وَاشْتَرَطَ طَحْنَهُ وَحَمْلَهُ: إنْ اشْتَرَطَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَإِنْ اشْتَرَطَ شَرْطَيْنِ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ. وَكَذَلِكَ فَسَّرَ الْقَاضِي فِي " شَرْحِهِ " الشَّرْطَيْنِ الْمُبْطِلَيْنِ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ تَفْسِيرَ الشَّرْطَيْنِ؛ أَنْ يَشْتَرِيَهَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَبِيعُهَا مِنْ أَحَدٍ، وَأَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا. فَفَسَّرَهُ بِشَرْطَيْنِ فَاسِدَيْنِ. وَرَوَى عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ فِي الشَّرْطَيْنِ فِي الْبَيْعِ، أَنْ يَقُولَ: إذَا بِعْتُكهَا فَأَنَا أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ، وَأَنْ تَخْدِمَنِي سَنَةً. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الشَّرْطَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُمَا مَا كَانَ مِنْ هَذَا النَّحْوِ.
فَأَمَّا إنْ شَرَطَ شَرْطَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ، مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute