وَلَنَا أَنَّ مَا كَانَ مِنْ التَّعْزِيرِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، كَوَطْءِ جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، أَوْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ، فَيَجِبُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ فِيهِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، إذَا رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِهِ، وَجَبَ؛ لِأَنَّهُ زَجْرٌ مَشْرُوعٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَوَجَبَ، كَالْحَدِّ.
[فَصْلٌ مَاتَ مِنْ التَّعْزِيرِ]
(٧٣٧٧) فَصْلٌ: وَإِذَا مَاتَ مِنْ التَّعْزِيرِ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُهُ؛ لِقَوْلِ عَلِيٍّ: لَيْسَ أَحَدٌ أُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَيَمُوتَ، فَأَجِدَ فِي نَفْسِي شَيْئًا إنَّ الْحَقَّ قَتَلَهُ، إلَّا حَدَّ الْخَمْرِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسُنَّهُ لَنَا وَأَشَارَ عَلَى عُمَرَ بِضَمَانِ الَّتِي أَجْهَضَتْ جَنِينَهَا حِينَ أَرْسَلَ إلَيْهَا. وَلَنَا أَنَّهَا عُقُوبَةٌ مَشْرُوعَةٌ لِلرَّدْعِ، وَالزَّجْرِ، فَلَمْ يُضْمَنْ مَنْ تَلِفَ بِهَا، كَالْحَدِّ. وَأَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ فِي دِيَةِ مَنْ قَتَلَهُ حَدُّ الْخَمْرِ، فَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَلَمْ يُوجِبُوا شَيْئًا بِهِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ، فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِهِ مَعَ تَرْكِ الْجَمِيعِ لَهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْجَنِينِ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، فَإِنَّ الْجَنِينَ الَّذِي تَلِفَ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ، وَلَا تَعْزِيرَ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يَسْقُطُ ضَمَانُهُ؟ وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ حَدَّ حَامِلًا، فَأَتْلَفَ جَنِينَهَا، ضَمِنَهُ، مَعَ أَنَّ الْحَدَّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَنَا، عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ ضَمَانُ الْمَحْدُودِ إذَا أُتْلِفَ بِهِ.
[فَصْلٌ لَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ ضَمَانُ الزَّوْجَةِ إذَا تَلِفَتْ مِنْ التَّأْدِيبِ الْمَشْرُوعِ فِي النُّشُوزِ]
(٧٣٧٨) فَصْلٌ: وَلَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ ضَمَانُ الزَّوْجَةِ إذَا تَلِفَتْ مِنْ التَّأْدِيبِ الْمَشْرُوعِ فِي النُّشُوزِ، وَلَا عَلَى الْمُعَلِّمِ إذَا أَدَّبَ صَبِيَّهُ الْأَدَبَ الْمَشْرُوعَ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَضْمَنُ. وَوَجْهُ الْمَذْهَبَيْنِ مَا تَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. قَالَ الْخَلَّالُ: إذَا ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ ثَلَاثًا، كَمَا قَالَ التَّابِعُونَ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَكَانَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، فَلَيْسَ بِضَامِنٍ، وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبًا شَدِيدًا، مِثْلُهُ لَا يَكُونُ أَدَبًا لِلصَّبِيِّ، ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَدَّى فِي الضَّرْبِ. قَالَ الْقَاضِي: وَكَذَلِكَ يَجِيءُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا: إذَا ضَرَبَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ الصَّبِيَّ تَأْدِيبًا فَهَلَكَ، أَوْ الْحَاكِمُ أَوْ أَمِينُهُ، أَوْ الْوَصِيُّ عَلَيْهِ تَأْدِيبًا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ، كَالْمُعَلِّمِ.
[فَصْلٌ قَطَعَ طَرَفًا مِنْ إنْسَانٍ فِيهِ أَكِلَةٌ أَوْ سِلْعَةٌ بِأُذُنِهِ وَهُوَ كَبِير عَاقِلٌ]
(٧٣٧٩) فَصْلٌ: وَإِنْ قَطَعَ طَرَفًا مِنْ إنْسَانٍ فِيهِ أَكِلَةٌ، أَوْ سِلْعَةٌ بِأُذْنِهِ، وَهُوَ كَبِيرٌ عَاقِلٌ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَطَعَهُ مُكْرَهًا، فَالْقَطْعُ وَسِرَايَتُهُ مَضْمُونٌ بِالْقِصَاصِ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَاطِعُ إمَامًا أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ جِرَاحَةٌ تُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ، وَالْأَكِلَةُ إنْ كَانَ بَقَاؤُهَا مَخُوفًا، فَقَطْعُهَا مَخُوفٌ، وَإِنْ كَانَ مَنْ قُطِعَتْ مِنْهُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا، وَقَطَعَهَا أَجْنَبِيٌّ، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَطَعَهَا وَلِيُّهُ، وَهُوَ الْأَبُ، أَوْ وَصِيُّهُ، أَوْ الْحَاكِمُ، أَوْ أَمِينُهُ الْمُتَوَلِّي عَلَيْهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute