وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ.
وَإِنْ بَارِزَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ، لَمْ يَسْتَحِقَّ، السَّلَبَ، لِأَنَّهُ عَاصٍ. وَكَذَلِكَ كُلُّ عَاصٍ، مِثْلُ مَنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَمِيرِ. وَعَنْ أَحْمَدَ فِي مَنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَمِيرِ، أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْخُمُسُ، وَبَاقِيه لَهُ، جَعَلَهُ كَالْغَنِيمَةِ، وَيُخْرَجُ فِي الْعَبْدِ الْمُبَارِزِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ مِثْلُهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَلَبُ قَتِيلِ الْعَبْدِ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لِأَنَّ مَا كَانَ لَهُ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ، فَفِي حِرْمَانِهِ السَّلَبَ حِرْمَانُ سَيِّدِهِ، وَلَا مَعْصِيَةَ مِنْهُ.
[الْفَصْلُ الثَّالِثُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ فِي كُلِّ حَالٍ]
(٧٤٧١) أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ فِي كُلِّ حَالٍ، إلَّا أَنْ يَنْهَزِمَ الْعَدُوُّ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَدَاوُد، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ مَسْرُوقٌ: إذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ، فَلَا سَلَبَ لَهُ، إنَّمَا النَّفَلُ قَبْلُ وَبَعْدُ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ نَافِعٍ. كَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ، مَا لَمْ تَمْتَدَّ الصُّفُوفُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَلَا سَلَبَ لِأَحَدٍ.
وَلَنَا، عُمُومُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا، فَلَهُ سَلَبُهُ» . وَلِأَنَّ أَبَا قَتَادَةَ إنَّمَا قَتَلَ الَّذِي أَخَذَ سَلَبَهُ فِي حَالِ الْتِقَاءِ الزَّحْفَيْنِ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: فَلَمَّا الْتَقَيْنَا رَأَيْت رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَنَسٍ: فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا، وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ. وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْتِقَاءِ الزَّحْفَيْنِ، لِأَنَّ هَوَازِنَ لَقُوا الْمُسْلِمِينَ فَجْأَةً، فَأَلْحَمُوا الْحَرْبَ قَبْلَ أَنْ تَتَقَدَّمَهَا مُبَارَزَةٌ.
وَرَوَى سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: غَزَوْنَا إلَى طَرَفِ الشَّامِ، فَأُمِّرَ عَلَيْنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَانْضَمَّ إلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَمْدَادِ حِمْيَرَ، فَقُضِيَ لَنَا أَنَّا لَقِينَا عَدُوَّنَا، فَقَاتَلُونَا قِتَالًا شَدِيدًا، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ مِنْ الرُّومِ، عَلَى فَرَسٍ لَهُ أَشْقَرَ، وَسَرْجٍ مُذْهَبٍ، وَمِنْطَقَةٍ مُلَطَّخَةٍ، وَسَيْفٍ مِثْلِ ذَلِكَ، فَجَعَلَ يَحْمِلُ عَلَى الْقَوْمِ، وَيُغْرِي بِهِمْ، فَلَمْ يَزَلْ الْمَدَدِيُّ يَحْتَالُ لِذَلِكَ الرُّومِيِّ حَتَّى مَرَّ بِهِ، فَاسْتَقْفَاهُ، فَضَرَبَ عُرْقُوبَ فَرَسِهِ بِالسَّيْفِ، ثُمَّ وَقَعَ، فَأَتْبَعَهُ ضَرْبًا بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهُ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ الْفَتْحَ، أَقْبَلَ بِسَلَبِ الْقَتِيلِ، وَقَدْ شَهِدَ لَهُ النَّاسُ أَنَّهُ قَاتِلُهُ، فَأَعْطَاهُ خَالِدٌ بَعْضَ سَلَبِهِ، وَأَمْسَكَ سَائِرَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ اسْتَعْدَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَا خَالِدًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute