نَوْبَتِهِ، وَلِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْقَبْضِ شَرْطٌ، وَهَذَا يَسْتَحِقُّ زَوَالَ الْيَدِ عَنْهُ لِمَعْنًى قَارَنَ الْعَقْدَ، فَلَمْ يَصِحَّ رَهْنُهُ كَالْمَغْصُوبِ. وَلَنَا، أَنَّهَا عَيْنٌ يَجُوزُ بَيْعُهَا فِي مَحِلِّ الْحَقِّ، فَيَصِحُّ رَهْنُهَا كَالْمُفْرَزَةِ.
وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَقْصُودَهُ الْحَبْسُ، بَلْ مَقْصُودُهُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْمُشَاعُ قَابِلٌ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَبْطُلُ مَا ذَكَرُوهُ بِرَهْنِ الْقَاتِلِ وَالْمُرْتَدِّ وَالْمَغْصُوبِ، وَرَهْنِ مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ مِنْ غَيْرِ وِلَايَةٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَهُمْ.
[فَصْلٌ رَهَنَ بَعْضَ نَصِيبِهِ مِنْ الْمُشَاعِ]
(٣٢٩٠) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ أَنْ يَرْهَنَ بَعْضَ نَصِيبِهِ مِنْ الْمُشَاعِ، كَمَا يَصِحُّ أَنْ يَرْهَنَ جَمِيعَهُ، سَوَاءٌ رَهَنَهُ مُشَاعًا فِي نَصِيبِهِ، مِثْلَ أَنْ يَرْهَنَ نِصْفَ نَصِيبِهِ، أَوْ يَرْهَنَ نَصِيبَهُ مِنْ مُعَيَّنٍ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُ دَارٍ فَيَرْهَنَ نَصِيبَهُ مِنْ بَيْتٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ رَهْنُ حِصَّتِهِ مِنْ مُعَيَّنٍ مِنْ شَيْءٍ تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَقْتَسِمَ الشَّرِيكَانِ، فَيَحْصُلُ الرَّهْنُ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ، فَصَحَّ رَهْنُهُ كَغَيْرِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ بِمَا يَضُرُّ بِالْمُرْتَهِنِ، فَيُمْنَعُ مِنْ الْقِسْمَةِ الْمُضِرَّةِ، كَمَا يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ.
[فَصْلٌ رَهْنُ الْمُرْتَدِّ وَالْقَاتِلِ فِي الْمُحَارَبَةِ وَالْجَانِي]
(٣٢٩١) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُرْتَدِّ وَالْقَاتِلِ فِي الْمُحَارَبَةِ وَالْجَانِي، سَوَاءٌ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ رَهْنُ الْقَاتِلِ فِي الْمُحَارَبَةِ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُ الْجَانِي. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَمَبْنَى الْخِلَافِ فِي هَذَا عَلَى الْخِلَافِ فِي بَيْعِهِ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعِهِ.
ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ عَالِمًا بِحَالِهِ، فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ، فَأَشْبَهَ الْمُشْتَرِيَ إذَا عَلِمَ الْعَيْبَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا، ثُمَّ عَلِمَ بَعْد إسْلَامِ الْمُرْتَدِّ وَفِدَاءِ الْجَانِي، فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ زَالَ، فَهُوَ كَمَا لَوْ زَالَ عَيْبُ الْمَبِيعِ. وَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَهُ رَدُّهُ وَفَسْخُ الْبَيْعِ إنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ بَيْعٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ اقْتَضَاهُ سَلِيمًا، فَإِذَا سَلَّمَ إلَيْهِ مَعِيبًا، مَلَكَ الْفَسْخَ، كَالْبَيْعِ، وَإِنْ اخْتَارَ إمْسَاكَهُ، فَلَيْسَ لَهُ أَرْشٌ وَلَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ بِجُمْلَتِهِ لَوْ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ، لَمْ يَمْلِكْ بَدَلَهُ، فَبَعْضُهُ أَوْلَى. وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى قُتِلَ الْعَبْدُ بِالرِّدَّةِ أَوْ الْقِصَاصِ، أَوْ أُخِذَ فِي الْجِنَايَةِ، فَلَا أَرْشَ لِلْمُرْتَهِنِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهُ الْأَرْشَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ.
وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْمَبِيعَ عِوَضٌ عَنْ الثَّمَنِ، فَإِذَا فَاتَ بَعْضَهُ، رَجَعَ بِمَا يُقَابِلهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ فَاتَ كُلُّهُ، مِثْلَ أَنْ يَتْلَفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ، رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ، وَالرَّهْنُ لَيْسَ بِعِوَضٍ، وَلَوْ تَلِفَ كُلُّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، لَمَا اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ بِشَيْءٍ، فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ بِبَدَلِ عَيْنِهِ أَوْ فَوَاتِ بَعْضِهِ؟ وَإِنْ امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ فِدَاءِ الْجَانِي، لَمْ يُجْبَرْ، وَيُبَاعُ فِي الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّهْنِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَدَّثَتْ الْجِنَايَةُ بَعْدَ الرَّهْنِ.
فَعَلَى هَذَا إنْ اسْتَغْرَقَ