مُنْفَرِدًا، فَيَتْبَعُهُ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ كُلَّ شَخْصٍ غُلِّبَ حُكْمُ إسْلَامِهِ مُنْفَرِدًا غُلِّبَ مَعَ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ، كَالْمُسْلِمِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ. الثَّالِثُ، أَنْ يُسْبَى مَعَ أَبَوَيْهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى دِينِهِمَا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَكُونُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ السَّابِيَ أَحَقُّ بِهِ، لِكَوْنِهِ مَلَكَهُ بِالسَّبْيِ، وَزَالَتْ وِلَايَةُ أَبَوَيْهِ عَنْهُ، وَانْقَطَعَ مِيرَاثُهُمَا مِنْهُ وَمِيرَاثُهُ مِنْهُمَا، فَكَانَ أَوْلَى بِهِ مِنْهُمَا. وَلَنَا، قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ.» وَهُمَا مَعَهُ، وَمِلْكُ السَّابِي لَهُ لَا يَمْنَعُ اتِّبَاعَهُ لِأَبَوَيْهِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ وُلِدَ فِي مِلْكِهِ مِنْ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ الْكَافِرَيْنِ.
[فَصْلٌ سُبِيَ الْمُتَزَوِّجُ مِنْ الْكُفَّارِ]
(٧٥٣٥) فَصْلٌ: وَإِذَا سُبِيَ الْمُتَزَوِّجُ مِنْ الْكُفَّارِ، لَمْ يَخْلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ يُسْبَى الزَّوْجَانِ مَعًا، فَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ: يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] وَالْمُحْصَنَاتُ الْمُزَوَّجَاتُ {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] بِالسَّبْيِ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إلَّا ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ مِنْ الْمَسْبِيَّاتِ.
وَلِأَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى مَحِلِّ حَقِّ الْكَافِرِ، فَزَالَ مِلْكُهُ، كَمَا لَوْ سَبَاهَا وَحْدَهَا. وَلَنَا، أَنَّ الرِّقَّ مَعْنًى لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ، فَلَا يَقْطَعُ اسْتِدَامَتَهُ، كَالْعِتْقِ، وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ، وَكَانُوا أَخَذُوا النِّسَاءَ دُونَ أَزْوَاجِهِنَّ، وَعُمُومُ الْآيَةِ مَخْصُوصٌ بِالْمَمْلُوكَةِ الْمُزَوَّجَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَيُخَصُّ مِنْهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ. الْحَالُ الثَّانِي، أَنْ تُسْبَى الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا، فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ، بِلَا خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ.
وَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: أَصَبْنَا سَبَايَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ، وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي قَوْمِهِنَّ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إذَا سُبِيت الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا، ثُمَّ سُبِيَ زَوْجُهَا بَعْدَهَا بِيَوْمٍ، لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ.
وَلَنَا، أَنَّ السَّبَبَ الْمُقْتَضِيَ لِلْفَسْخِ وُجِدَ، فَانْفَسَخَ النِّكَاحُ، كَمَا لَوْ سُبِيَ بَعْدَ شَهْرٍ. الْحَالُ الثَّالِثُ، سُبِيَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ، فَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا الْقِيَاسُ يَقْتَضِيه، وَقَدْ سَبَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعِينَ مِنْ الْكُفَّارِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَمَنَّ عَلَى بَعْضِهِمْ، وَفَادَى بَعْضًا، فَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِمْ بِفَسْخِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute