للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى سَيِّدِهِ. لَا يُسَلَّمُ، فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إقْرَارُ السَّيِّدِ، وَلَا يَضُرُّ إنْكَارُهُ. وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْ الْعَبْدِ، ثُمَّ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ بِالْبَيِّنَةِ جَائِزٌ، عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.

[فَصْلٌ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِسَرِقَةِ مَالٍ فِي يَدِهِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ سَيِّدُهُ]

(٧٢٨٨) فَصْلٌ: وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِسَرِقَةِ مَالٍ فِي يَدِهِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ سَيِّدُهُ، وَقَالَ: هَذَا مَالِي. فَالْمَالُ لِسَيِّدِهِ، وَيُقْطَعُ الْعَبْدُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ سَرِقَتُهُ لِلْمَالِ، فَلَمْ يَجِبْ قَطْعُهُ، كَمَا لَوْ أَنْكَرَهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ فِي الْمَالِ، فَفِي الْحَدِّ الَّذِي يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ أَوْلَى. وَلَنَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ، وَصَدَّقَهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ، فَقُطِعَ، كَالْحُرِّ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجِبَ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَكَوْنُ الْمَالِ مَحْكُومًا بِهِ لِسَيِّدِهِ شُبْهَةٌ.

[فَصْلٌ يُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِسَرِقَةِ مَالِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَيُقْطَعُ الذِّمِّيُّ بِسَرِقَةِ مَالِهِمَا]

(٧٢٨٩) فَصْلٌ: وَيُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِسَرِقَةِ مَالِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، وَيُقْطَعُ الذِّمِّيُّ بِسَرِقَةِ مَالِهِمَا. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا. فَأَمَّا الْحَرْبِيُّ إذَا دَخَلَ إلَيْنَا مُسْتَأْمَنًا، فَسَرَقَ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ أَيْضًا. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يُقْطَعُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ، كَحَدِّ الزِّنَا. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، كَالْمَذْهَبَيْنِ.

وَلَنَا أَنَّهُ حَدٌّ يُطَالَبُ بِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ، كَحَدِّ الْقَذْفِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْقَطْعَ يَجِبُ صِيَانَةً لِلْأَمْوَالِ، وَحَدُّ الْقَذْفِ يَجِبُ صِيَانَةٍ لِلْأَعْرَاضِ، فَإِذَا وَجَبَ فِي حَقِّهِ أَحَدُهُمَا وَجَبَ الْآخَرُ، فَأَمَّا حَدُّ الزِّنَا: فَلَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِهِ قَتْلُهُ لِنَقْضِهِ الْعَهْدَ، وَلَا يَجِبُ مَعَ الْقَتْلِ حَدٌّ سِوَاهُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَجِبُ. وَلَنَا أَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مَعْصُومًا مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ، فَوَجَبَ قَطْعُهُ، كَسَارِقِ مَالِ الذِّمِّيِّ. وَيُقْطَعُ الْمُرْتَدُّ إذَا سَرَقَ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ جَارِيَةٌ عَلَيْهِ.

[مَسْأَلَةٌ وُهِبَتْ لِلسَّارِقِ السَّرِقَةُ بَعْدَ إخْرَاجِهَا]

(٧٢٩٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُقْطَعُ السَّارِقُ وَإِنْ وُهِبَتْ لَهُ السَّرِقَةُ بَعْدَ إخْرَاجِهَا) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ السَّارِقَ إذَا مَلَكَ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ بِهِبَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَمْلِكَهَا قَبْلَ رَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ، وَالْمُطَالَبَةِ بِهَا عِنْدَهُ، أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ مَلَكَهَا قَبْلَهُ، لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الْمُطَالَبَةَ بِالْمَسْرُوقِ وَبَعْدَ مِلْكِهِ لَهُ لَا تَصِحُّ الْمُطَالَبَةُ، وَإِنْ مَلَكَهَا بَعْدَهُ، لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ.

وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِلْكَهُ، فَلَا يُقْطَعُ فِي عَيْنٍ هِيَ مِلْكُهُ، كَمَا لَوْ مَلَكَهَا قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ بِهَا؛ وَلِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ شَرْطٌ، وَالشُّرُوطُ يُعْتَبَرُ دَوَامُهَا، وَلَمْ يَبْقَ لِهَذِهِ الْعَيْنِ مُطَالِبٌ. وَلَنَا مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ «ابْنِ صَفْوَانَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ نَامَ فِي الْمَسْجِدِ، وَتَوَسَّدَ رِدَاءَهُ، فَأُخِذَ مِنْ تَحْتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>