وَلَنَا، مَا رَوَى قَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: «أَسْلَمْت وَتَحْتِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ، فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا.» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سُوَيْد الثَّقَفِيُّ، «أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَخَيَّرَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ، عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، غَلِطَ فِيهِ مَعْمَرٌ، وَخَالَفَ فِيهِ أَصْحَابَ الزُّهْرِيِّ. كَذَلِكَ قَالَ الْحُفَّاظُ؛ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَلِأَنَّ كُلَّ عَدَدٍ جَازَ لَهُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، جَازَ لَهُ إمْسَاكُهُ بِنِكَاحٍ مُطْلَقٍ فِي حَالِ الشِّرْكِ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهُنَّ بِغَيْرِ شُهُودٍ
وَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجَيْنِ، فَنِكَاحُ الثَّانِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا مَلَّكَتْهُ مِلْكَ غَيْرِهَا. وَإِنْ جَمَعَتْ بَيْنَهُمَا، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُمَلِّكْهُ جَمِيعَ بُضْعِهَا، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَائِعِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ لَهَا اخْتِيَارُ النِّكَاحِ وَفَسْخُهُ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ.
(٥٤٤٢) فَصْلٌ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعًا فَمَا دُونَ، وَيُفَارِقَ سَائِرَهُنَّ، أَوْ يُفَارِقَ الْجَمِيعَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ غَيْلَانَ وَقَيْسًا بِالِاخْتِيَارِ، وَأَمْرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى نِكَاحِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، فَإِنْ أَبَى، أُجْبِرَ، بِالْحَبْسِ وَالتَّعْزِيرِ إلَى أَنْ يَخْتَارَ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ عَلَيْهِ يُمْكِنُهُ إيفَاؤُهُ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ مِنْهُ، فَأُجْبِرَ عَلَيْهِ، كَإِيفَاءِ الدَّيْنِ
وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَخْتَارَ عَنْهُ، كَمَا يُطَلِّقُ عَلَى الْمُولِي إذَا امْتَنَعَ مِنْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ هَاهُنَا لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا تَتَعَيَّنُ الزَّوْجَاتُ بِاخْتِيَارِهِ وَشَهْوَتِهِ، وَذَلِكَ لَا يَعْرِفُهُ الْحَاكِمُ فَيَنُوبُ عَنْهُ فِيهِ، بِخِلَافِ الْمُولِي، فَإِنَّ الْحَقَّ الْمُعَيَّنَ يُمْكِنُ الْحَاكِمُ إيفَاءَهُ، وَالنِّيَابَةُ عَنْ الْمُسْتَحِقِّ فِيهِ. فَإِنْ جُنَّ خُلِّيَ حَتَّى يَعُودَ عَقْلُهُ، ثُمَّ يُجْبَرُ عَلَى الِاخْتِيَارِ، وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْجَمِيعِ إلَى أَنْ يَخْتَارَ؛ لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُنَّ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ أَيَّتَهُنَّ اخْتَارَ جَازَ.
[فَصْلٌ زَوَّجَ الْكَافِرُ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ ثُمَّ أَسْلَمُوا جَمِيعًا]
(٥٤٤٣) فَصْلٌ: وَلَوْ زَوَّجَ الْكَافِرُ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، ثُمَّ أَسْلَمُوا جَمِيعًا، لَمْ يَكُنْ لَهُ الِاخْتِيَارُ قَبْلَ بُلُوغِهِ، فَإِنَّهُ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِ، وَلَيْسَ لِأَبِيهِ الِاخْتِيَارُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالشَّهْوَةِ، فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِيهِ، فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ، كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ حِينَئِذٍ، وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ إلَى أَنْ يَخْتَارَ.
[فَصْلٌ مَاتَ الزَّوْج قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ لَمْ يَقُمْ وَارِثُهُ مَقَامَهُ وَعَلَى جَمِيعهنَّ الْعِدَّةُ]
(٥٤٤٤) فَصْلٌ: فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ، لَمْ يَقُمْ وَارِثُهُ مَقَامَهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْحَاكِمِ، وَعَلَى جَمِيعِهِنَّ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَاتِ لَمْ يَتَعَيَّنْ مِنْهُنَّ، فَمَنْ كَانَتْ مِنْهُنَّ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِهِ، وَمَنْ كَانَتْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً فَعِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute