للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْمُوَكِّلِ. وَإِنْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُسَاوِي دِينَارًا. أَوْ إحْدَاهُمَا تُسَاوِي دِينَارًا وَالْأُخْرَى أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ، صَحَّ، وَلَزِمَ الْمُوَكِّلَ. وَهَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ إحْدَى الشَّاتَيْنِ بِنِصْفِ دِينَارٍ، وَالْأُخْرَى لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ إلَّا بِإِلْزَامِهِ عُهْدَةَ شَاةٍ وَاحِدَةٍ.

وَلَنَا، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى عُرْوَةَ بْنَ الْجَعْدِ دِينَارًا، فَقَالَ: اشْتَرِ لَنَا بِهِ شَاةً. قَالَ: فَأَتَيْت الْجَلَبَ، فَاشْتَرَيْت شَاتَيْنِ بِدِينَارٍ، فَجِئْت أَسُوقُهُمَا، أَوْ أَقُودُهُمَا، فَلَقِيَنِي رَجُلٌ بِالطَّرِيقِ، فَسَاوَمَنِي، فَبِعْت مِنْهُ شَاةً بِدِينَارٍ، فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدِّينَارِ وَالشَّاةِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا دِينَارُكُمْ، وَهَذِهِ شَاتُكُمْ. قَالَ: وَصَنَعْتَ كَيْفَ؟ فَحَدَّثْته الْحَدِيثَ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ.» وَلِأَنَّهُ حَصَّلَ لَهُ الْمَأْذُونَ فِيهِ وَزِيَادَةً مِنْ جِنْسِهِ تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، فَوَقَعَ ذَلِكَ لَهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ بِعْهُ بِدِينَارٍ. فَبَاعَهُ بِدِينَارَيْنِ، وَمَا ذَكَرَهُ يَبْطُلُ بِالْبَيْعِ. فَإِنْ بَاعَ الْوَكِيلُ إحْدَى الشَّاتَيْنِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، الْبَيْعُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَالَ مُوَكِّلِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَلَمْ يَجُزْ كَبَيْعِ الشَّاتَيْنِ.

وَالثَّانِي، إنْ كَانَتْ الْبَاقِيَةُ تُسَاوِي دِينَارًا جَازَ، لِحَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ الْبَارِقِيِّ، وَلِأَنَّهُ حَصَّلَ لَهُ الْمَقْصُودَ، وَالزِّيَادَةُ لَوْ كَانَتْ غَيْرَ الشَّاةِ جَازَ، فَجَازَ لَهُ إبْدَالُهَا بِغَيْرِهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ صِحَّةُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِحَدِيثِ عُرْوَةَ وَذَهَبَ إلَيْهِ. وَإِذَا قُلْنَا: لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الشَّاةِ. فَبَاعَهَا، فَهَلْ يَقَعُ الْبَيْعُ بَاطِلًا أَوْ صَحِيحًا مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَهَذَا أَصْلٌ لِكُلِّ مَنْ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَوَكِيلٌ يُخَالِفُ مُوَكِّلَهُ، هَلْ يَقَعُ بَاطِلًا أَوْ يَصِحُّ وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ.

وَلِلشَّافِعِيِّ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ هَاهُنَا وَجْهَانِ.

[فَصْلٌ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ سِلْعَةٍ مَوْصُوفَةٍ]

(٣٨٠١) فَصْلٌ: وَإِذَا وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ سِلْعَةٍ مَوْصُوفَةٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَهَا إلَّا سَلِيمَةً لِأَنَّ إطْلَاقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، وَلِذَلِكَ جَازَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ.

فَإِنْ اشْتَرَى مَعِيبًا يَعْلَمُ عَيْبَهُ، لَمْ يَلْزَمْ الْمُوَكِّلَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى غَيْرَ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُ، صَحَّ، الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ الصَّحِيحِ فِي الظَّاهِرِ، لِعَجْزِهِ عَنْ التَّحَرُّزِ عَنْ شِرَاءِ مَعِيبٍ لَا يَعْلَمُ عَيْبَهُ، فَإِذَا عَلِمَ عَيْبَهُ مَلَكَ رَدَّهُ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ فِي الشِّرَاءِ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ، وَلِلْمُوَكِّلِ رَدُّهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ، فَإِنْ حَضَرَ قَبْلَ رَدِّ الْوَكِيلِ، وَرَضِيَ بِالْعَيْبِ، لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ رَدُّهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ، فَإِنَّ لَهُ الرَّدَّ وَإِنْ رَضِيَ رَبُّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فَلَا يَسْقُطُ بِرِضَى غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ، فَأَرَادَ الْوَكِيلُ الرَّدَّ، فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ: تَوَقَّفْ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ، فَرُبَّمَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ. لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ فَوَاتَ الرَّدِّ لِهَرَبِ الْبَائِعِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>