[مَسْأَلَةٌ طَلَّقَ ثَلَاثًا وَهُوَ يَنْوِي وَاحِدَةً]
(٦٠١٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا، وَهُوَ يَنْوِي وَاحِدَةً، فَهِيَ ثَلَاثٌ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي الثَّلَاثِ، وَالنِّيَّةُ لَا تُعَارِضُ الصَّرِيحَ؛ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ مِنْ اللَّفْظِ، وَلِذَلِكَ لَا نَعْمَلُ بِمُجَرَّدِهَا، وَالصَّرِيحُ قَوِيٌّ يُعْمَلُ بِمُجَرَّدِهِ، مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، فَلَا يُعَارَضُ الْقَوِيُّ بِالضَّعِيفِ، كَمَا لَا يُعَارَضُ النَّصُّ بِالْقِيَاسِ، وَلِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي صَرْفِ اللَّفْظِ إلَى بَعْضِ مُحْتَمِلَاتِهِ، وَالثَّلَاثُ نَصٌّ فِيهَا، لَا يَحْتَمِلُ الْوَاحِدَةَ بِحَالٍ، فَإِذَا نَوَى وَاحِدَةً، فَقَدْ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ، فَلَا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. وَقَالَ: أَرَدْت وَاحِدًا.
[مَسْأَلَةٌ طَلَّقَ وَاحِدَةً وَهُوَ يَنْوِي ثَلَاثًا]
(٦٠١٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً، وَهُوَ يَنْوِي ثَلَاثًا، فَهِيَ وَاحِدَةٌ) أَمَّا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً. وَنَوَى ثَلَاثًا، لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَا يَحْتَمِلُ أَكْثَرَ مِنْهَا، فَإِذَا نَوَى ثَلَاثًا، فَقَدْ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ، فَلَوْ وَقَعَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، لَوَقَعَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَمُجَرَّدُ النِّيَّةِ لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ: يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ وَاحِدَةً مَعَهَا اثْنَتَانِ. وَهَذَا فَاسِدٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: مَعَهَا اثْنَتَانِ. لَا يُؤَدِّيهِ مَعْنَى الْوَاحِدَةِ، وَلَا يَحْتَمِلُهُ، فَنِيَّتُهُ فِيهِ نِيَّةٌ مُجَرَّدَةٌ، فَلَا تَعْمَلُ، كَمَا لَوْ نَوَى الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ. وَأَمَّا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ. وَنَوَى ثَلَاثًا، فَهَذَا فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يَتَضَمَّنُ عَدَدًا، وَلَا بَيْنُونَةً، فَلَمْ تَقَعْ بِهِ الثَّلَاثُ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً.
بَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ. إخْبَارٌ عَنْ صِفَةٍ هِيَ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَتَضَمَّنْ الْعَدَدَ، كَقَوْلِهِ: قَائِمَةٌ، وَحَائِضٌ، وَطَاهِرٌ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، إذَا نَوَى ثَلَاثًا، وَقَعَ الثَّلَاثُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ لَوْ قَرَنَ بِهِ لَفْظَ الثَّلَاثِ، كَانَ ثَلَاثًا، فَإِذَا نَوَى بِهِ الثَّلَاثَ، كَانَ ثَلَاثًا، كَالْكِنَايَاتِ، وَلِأَنَّهُ نَوَى بِلَفْظِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ، فَوَقَعَ ذَلِكَ بِهِ، كَالْكِنَايَةِ. وَبَيَانُ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِلْعَدَدِ، أَنَّهُ يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِهِ؛ فَيَقُولُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: طَالِقٌ.
اسْمُ فَاعِلٍ، وَاسْمُ الْفَاعِلِ يَقْتَضِي الْمَصْدَرَ، كَمَا يَقْتَضِيه الْفِعْلُ، وَالْمَصْدَرُ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَفَارَقَ قَوْلَهُ: أَنْتِ حَائِضٌ وَطَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ لَا يُمْكِنُ تَعَدُّدُهُ فِي حَقِّهَا، وَالطَّلَاقُ يُمْكِنُ تَعَدُّدُهُ.
[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا وَنَوَى ثَلَاثًا]
(٦٠١٨) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا. وَنَوَى ثَلَاثًا، وَقَعَ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْمَصْدَرِ، وَالْمَصْدَرُ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute